فسأل موسى ربه ذلك فامره أن يصوم ثلاثين يوما ويتطهر ويطهر ثيابه ويأتى الى الجبل جبل طور سيناء ليكلمه ويعطيه الكتاب، فصام ثلاثين يوما أولها ذى القعدة وسار الى الجبل واستخلف أخاه هارون على بنى اسرائيل، فلما قصد الجبل انكر ريح فمه فتسوك يعود خرنوب وقيل تسوك بلحاء شجرة، فأوحى الله اليه أما علمت ان خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك؟ وأمره أن يصوم عشرة أيام أخرى فصامها وهى عشر ذى الحجة (فتم ميقات ربه أربعين ليلة) ففى تلك الليالى العشر افتتن بنوا اسرائيل لأن الثلاثين انقضت ولم يرجع اليهم موسى، وكان السامرى من أهل باجرمَى (١) وقيل من بنى اسرائيل، فقال هارون يا بنى اسرائيل ان الغنائم لا تحل لكن والحى الذى استعرتموه من القبط غنيمة فاحفروا حفرة والقوه فيها حتى يرجع موسى فيرى فيها رأيه ففعلوا ذلك، وجاء السامرى بقبضة من التراب الذى أخذه من أثر حافر فرس جبريل فألقاه فيه فصار الحلى عجلا جسدا له خوار (٢) وقيل ان الحلى القى فى النار فذاب فألقى السامرى ذلك التراب فصار الحلى عجلا جسدا له خوار، وقيل كان يخور ويمشى، وقيل ما خار إلا مرة واحدة ولم يعد، وقيل ان السامرى صاغ العجل من ذلك الحلى فى ثلاثة أيام ثم قذف فيه التراب فقام له خوار، فلما رأوه قال لهم السامرى هذا الاهكم والاه موسى فنسيه موسى وتركه ها هنا وذهب يطلبه، فعكفوا عليه يعبدونه فقال لهم هارون (ياقوم انما فتنتم به وان ربكم الرحمن فاتبعونى واطيعوا أمرى) فأطاعه بعضهم وعصاه بعضهم، فأقام بمن معه ولم يقاتلهم، ولما ناجى الله تعالى موسى قال له (ما أعجلك عن قومك يا موسى؟ قال هم أولاء على أثرى وعجلت اليك رب لترضى، قال فانا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامرى) فقال موسى يارب هذا السامرى قد أمرهم أن يتخذوا العجل من نفخ فيه الروح؟ قال انا، قال فأنت اذا أضللتهم، ثم ان موسى لما كلمه الله تعالى أحب ان ينظر اليه (قال رب أرنى انظر اليك، قال لن ترانى ولكن انظر الى الجبل، فان استقر مكانه فسوف ترانى) فتجلى الله تعالى للجبل (فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخرّ موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت أليك وأنا أول المؤمنين) وأعطاه الألواح فيها الحلال والحرام والمواعظ، وعاد موسى ولا يقدر أحد ان ينظر اليه وكان يجعل عليه حريره نحو أربعين يوما ثم يكشفها لما تغشاه من النور، فلما وصل إلى قومه ورأى عبادتهم العجل القى الألواح وأخذ برأس أخيه ولحيته بجره اليه (قال يا ابن أمَّ لا تأخذ بلحيتى ولا برأسى انى خشيت ان تقول فرّقت بين بنى اسرائيل ولم ترقب قولى) فترك هارون وأقبل على السامرى وقال (ما خطبك يا سامرى؟ قال. بصرت بما لم يبصروا به فقبضت قبضة من أقر الرسول فنبذتها، وكذلك سولت لى نفسى، قال فاذهب فان لك فى الحياة ان تقول لا مساس) ثم أخذ العجل برده بالمبارد وأحرقه وأمر السامرى فبال عليه وذراه فى البحر، فلما القى موسى الألواح ذهب ستة أسبعها وبقى سبع وطلب بنو اسرائيل التوبة فأبى الله ان يقبل توبتهم (يعنى الا بالقتل) وقال لهم موسى (يا قوم انكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا الى بارئكم فاقتلوا أنفسكم) فاقتتل الذين عبدوه والذين لم يعبدوه فكان من قتل من الفريقين شهيدا فقتل منهم سبعون الفا، وقام موسى وهارون يدعوان الله، فعفا عنهم وأمرهم