للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أولًا. زعموا أن السبب في كثرة حديثة استباحته الكذب على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهذا منهم كذب صراح، وافتيات على التاريخ، فإن هذا الإمام الجليل قد روي عنه الحديث نحو من ثمانمائة رجل من أهل العلم من الصحابة وبعضهم من التابعين كما قال البخاري وذلك دليل على ثقتهم به، لأنهم لو لم يثقوا به لمارووا عنه، وقد شهد له كبار أهل العلم في كل عصر بتحري الصدق والبعد عن شوائب الكذب وكثرة الحفظ وشدة الضبط في رواية الحديث، قال الشافعي: أبو هريرة احفظ من روي الحديث في دمره وقال ابن عمر أبو هريرة خير مني وأعلم بما يحدث، وقال طلحة بن عبيد الله، لا أشك أن أبا هريرة سمع من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ما لم نسمع، وقال أبو الزعيزعة كاتب مروان: أرسل مروان إلى أبي هريرة فجعل يحدثه وكان أجلسني خلف السرير أكتب ما يحدث به حتى إذا كان في رأس الحول أرسل إليه فسأله وأمرني أن أنظر فما غير حرفًا حرف.

هذا طرف مما ذكره الثقات وأصحاب الشأن في أبي هريرة، وهو قليل مما ذكروه، ومن حظي يمثل هذا الثناء وممثل هذا التقدير لا يضيره ما يقال فيه من أعداء الإسلام بدون بيته أو برهان، هذا إلى أن أحاديث أبي هريرة لم ينفرد بها بل وجدت كلها أو أكثرها عند غيره من الصحابة كما يعلم بالتتبع، والذي امتاز به عنهم أنه اجتمع لديه من الأحاديث ما لم يكن عند واحد منهم ما عدا عبد الله بن عمرو بن العاص (وقد بينا في مناقب عبد الله السبب في قلة ما وصل إلينا من حديثه).

ثانياص: زعموا أن أبا هريرة يدلس في الحديث فيروى عن النبي (صلى الله عليه وسلم) ما لم يسمعه منه والتدليس أخو الكذب، والجواب عن ذلك أن أبا هريرة قد تأخر إسلامه إلى سنة سبع من الهجرة وتلقي الأحاديث التي لم يسمعها من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن الصحابة الذين سمعوها ولم يقل عند روايتها (سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول كذا أو رأيته يفعل كذا) بل كان يقول (قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كذا أو فعل كذا) وما شابه ذلك، وهو في هذا المسلك ليس بدعا من سائر الصحابة الذين لم يحضروا بعض مجالسه (صلى الله عليه وسلم) أما لاشتغالهم ببعض أمور الدنيا كالزراعة والصفق بالأسواق وأما لحداثة أسنانهم أو لتأخر أسلامهم، ثبت عن حميد قال "كنا مع أنس بن مالك رضي الله عنه فقال والله ما كل ما نحدثكم عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) سمعنا ولكن لم يكن يكذب بعضنا بعضًا، رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح، وعن البراء قال "ليس كلنا سمع حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم كانت لنا ضيعة وأشغال، ولكن الناس كانوا لا يكذبون يومئذ ويحدث الشاهد الغائب، رواه الحاكم وقال صحيح على شرطهما منه (صلى الله عليه وسلم) ثم عند روايتهم لهذه الأحاديث قد يذكرون أسماء من رووا عنه تلك الأحاديث وقد لا يذكرونها ولا يعد عدم ذكرهم لها تدليسًا لأن الصحابة كلهم عدول بإجماع أهل الحق وإنما توقف العلماء في مراسيل التابعين للجهل بحال المحذوف إذا من الجائر أن يكون المحذوف صحابيًا أو تابعيًا وعلى تقدير أنه تابعي فيجوز أن يكون غير ثقة ولذلك يقول ابن الصلاح في مقدمته (مرسل الصحابي مثل ما يرويه ابن عباس وغيره من أحداث الصحابة عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم ولم يسمعوه منه في حكم الموصول المسند لأن الصحابة كلهم عول) أهو قال السيوطي في التدريب (وفي الصحيحين من ذلك مالا يحصي لأن أكثر روايتهم عن الصحابة، وكلهم عدول ورواياتهم عن غيره نادرة، وإذا رووها بينوُها).

<<  <  ج: ص:  >  >>