وفي سنة أربعين وثلاثمائة وألف من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية، وهي نهاية الحلقة الرابعة من عمر المؤلف أخذ في قراءة المسند - بعد أن يسر الله له قراءة الكتب الستة وغيرها من الأصول المعتبرة عند المحدثين - فوجده بحرًا خضمًا يزخر بالعلم ويموج بالفوائد فخطر له أن يرتبه وتهيب العمل فيه واستعظم التبعة ولكن الدافع كان قويًّا والرغبة إلى الله صادقة فأخذ رأي ذوي البصائر الثاقبة واستشار من لا يتهمه دينًا وأمانة وصدقًا ونصيحة وهو صديقه وشيخه العالم العامل الصالح الورع محمد زهران، فكل أشار بما قوى العزيمة فبدأ العمل فيه داعيًا الله تعالى أن يجعله خالصًا لوجهه ويتقبله ويعين على نجزه بصدق النية فيه (١).
وقد فرغ المؤلف من تبييضه في نهاية عام ١٣٥١ هجرية بعد أن قرأه بتمامه أربع مرات ثم قرأه للمرة الخامسة وهو يقوم بتصحيحه عند الطبع حتى منتصف الجزء الثاني والعشرين.
هجرة الأسرة إلى القاهرة:
ولما كانت هجرة المؤلف إلى الإسكندرية في طلب العلم كذلك كانت هجرة الأسرة كلها إلى القاهرة في طلب العلم وذلك حين احتاج النجل الأكبر للمؤلف الإمام الشهيد حسن البنا إلى الالتحاق (بمدرسة) دار العلوم وأراد المؤلف التعرف إلى علماء الأزهر الشريف بالقاهرة والالتقاء بالمحدثين الوافدين من أقطار العالم الإسلامي.
وهكذا وفدت الأسرة كلها إلى القاهرة وعكف المؤلف على كتابه الذي أصبح شغله في الحياة وحظه منها وأصبح مكتبه في عطفة الرسام على ناصية مسجد الفكهاني بالغورية مقصد العلماء والباحثين، ومطلب المحققين والمحدثين لا يبرحه إلا للصلاة في مسجد الفكهاني أو مسجد المؤبد.
ثم دفع بمؤلفه المبارك إلى المطبعة التي لا تبعد عن مكتبه إلا خطوات حيث تقع
(١) انظر مقدمة المؤلف في كيفية العمل فيه في الجزء الأول صفحة ١٣، ١٤