ثم ظهر موقفهم من هذا الجدال في نهاية المناظرة أنهم نقضوا العهد والقاعدة التي عاهدوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - على الوفاء بها, وينبغي أن يتحلى بهذا كل من يناظر أهل الكتاب حديثاً, وإلا لا داعي للحوار معهم لأنه سيكون مضيعة للوقت.
ومما لا بد منه قبل حوارنا معهم أن نقوم بخطوات عملية لتعريف أهل الكتاب بدين الإسلام تسبق ذلك عبر السفارات والقنصليات والملحقيات الثقافية في البلدان التي توجد فيها سفارات عربية وإسلامية, ونقوم باستدعاء السفراء والجلوس معهم, ومناقشتهم حول المسائل المتفق عليها وتقويتها, وهي من أهم الوسائل وأنفعها في يومنا هذا؛ لأن القلوب أصبحت متألمة من كل ما حصل ويحصل من احتلال لبلاد المسلمين, ومن كل تدخل نصراني سافر ضد المسلمين مباشر وغير مباشر, ومن تعاون النصارى مع اليهود في احتلالهم لبلاد المسلمين, بالإضافة إلى القتال والعداء التاريخي المتراكم.
ومثل هذا يحتاج إلى عقد مؤتمرات دولية يحضرها كبار العلماء والمثقفين والمفكرين المنصفين من جميع الأطراف يقومون بجمع نقاط الاتفاق ويقومون بتقويتها والتأكيد عليها, وتضيق نقاط الاختلاف بيننا وبينهم, ثم يقومون بدراستها دراسة موضوعية حتى نتمكن جميعاً من الوصول إلى الحوار الموضوعي الجاد القائم على توحيد الله سبحانه وتعالى والإيمان بجميع رسله وأنبيائه.
المطلب الثاني: دعوة أهل الكتاب للمباهلة, وفيه فرعان:
لقد شرع الله للمؤمنين جدال أهل الكتاب ومناظرتهم بالحوار كوسيلة لإقناعهم بالحق, مع أنه قد علم من بعض من وقع معه الجدال بالتي هي أحسن عدم الجدوى, وذلك لإصرارهم على باطلهم, وجحودهم للآيات, وتكذيبهم للرسل, لذلك أمر الله رسوله بأن يسلك مع هؤلاء الخطوة الثانية وهي: المباهلة, وهي تكون للذين ظلموا منهم بإصرارهم على باطلهم, وقد شرعها الله لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - بقوله تعالى: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} (١).
فهذه المباهلة كانت على النفس والأهل والأبناء, وهناك المباهلة الأخرى والتي كانت على تمني الموت ليتبين الصادق من الكاذب, كما في قوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٦) وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ
(١) سورة آل عمران الآية: (٦١).