للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكما أن التحريف للكتب السماوية قد ثبت على أهل الكتاب من خلال ما سبق من الخطاب القرآني, فإن الأمثلة على تحريفات أهل الكتاب قديماً كثيرة, ولكننا سنذكر في هذا المبحث مجموعة من الأمثلة, وسنقسم هذه الأمثلة حتى يتضح ذلك التحريف للقارئ بسهولة, وعليه فسنقسم هذا المبحث بحسب أنواع التحريف كما يلي:

المطلب الأول: أمثلة على التحريف بالتأويلات الباطلة قديماً:

أما التأويلات الفاسدة والباطلة فالمقصود بها أنهم كانوا "يتأوَّلون الكلام على غير حقيقته, ويريدون به غير المقصود به، وهم إنما يفعلون ذلك عن قصد منهم، افتراءً على الله" (١).

وقد ذكر القرآن الكريم ذلك عنهم في أكثر من موضع, فمن ذلك:

الأول: ما ذكره الله في قوله: {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا} (٢).

قال البيضاوي رحمه الله: " (يحرفون الكلم) أي: يميلونه عن مواضعه التي وضعه الله فيها بإزالته عنها, وإثبات غيره فيها, أو يؤولونه على ما يشتهون فيميلونه" (٣).

وقال الطبري رحمه الله: و (يقولون سمعنا وعصينا) أي: سمعنا يا محمد قولك, وعصينا أمرك.

(واسمع غير مسمع) أي: أن اليهود كانوا يسبون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , ويؤذونه بالقبيح من القول, ويقولون له اسمع منا غير مسمع, كقول القائل للرجل يسبه: اسمع لا أسمعك الله" (٤) , وذكر نحوه ابن عطية, ونقل هذا القول عن ابن عباس وغيره" (٥).

قال أسعد حومد: ويقصدون بهذا التأويل الباطل الدعاء على النبي - صلى الله عليه وسلم -، مع أنهم يحاولون إيهام من حولهم بأنهم يريدون الدعاء له, مع أن المسلمين حينما كانوا يقولون هذه العبارة إنما كانوا يقصدون بها الدعاء, أي: (لا أسمعك الله مكروهاً) , وكان اليهود يقولون للنبي - صلى الله عليه وسلم -: راعنا, وهم يوهمون من


(١) انظر: أيسر التفاسير لأسعد حومد (١/ ٥٣٩) مرجع سابق.
(٢) سورة النساء الآية: (٤٦).
(٣) تفسير البيضاوي (٢/ ١٩٦) مرجع سابق.
(٤) انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن (٥/ ١١٨) مرجع سابق.
(٥) انظر: المحرر الوجيز (٢/ ٧٦) مرجع سابق.

<<  <   >  >>