للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والأخلاق التي نقصدها في بحثنا هذا هي: "ميثاق كامل يشمل كل أعمال الإنسان, وقيمه العليا التي يتقيد بها في تصرفاته, في سعيه لإقامة حياته البشرية على أساسها, والتي لا يكون إنساناً إلا بها, وبقدر ما يفقد منها يفقد من إنسانيته, ولكننا نلاحظ مع زحف العلمانية على الحياة الأوربية أن الأخلاق أزيحت عن شتى مجالات الحياة, وما بقي منها فهو نفعي بحت, فالعلاقات الجنسية -مثلاً يسمونها مسألة بيولوجية لا علاقة لها بالأخلاق, ولا يوجد لها ضابط" (١).

ومن فوائد علم الأخلاق أنه يبحث عما يصلح الأخلاق إذا حصل لها الفساد, ويقومها إذا حدث فيها اعوجاج, ويخص بحثنا من ذلك الكلام عن أخلاق أهل الكتاب التي تحتاج إلى تقويم؛ كونها قد فسدت بمخالفتها للوحي الآلهي, وقد جاء القرآن الكريم ليصلح ذلك الفساد.

فتبين مما سبق أن أخلاق الإنسان تعرف من خلال ممارسة الفرد لها مع الناس, فهي هيئة في النفس راسخة بحسب الفطرة, وتكون سليمة لانسجامها مع الفطرة ومع الوحي, فحينما يقدم صاحبها على ممارسة خلق سيئ فهو دليل على ضعف وازعه الديني, ولا يحجم عنه إلا إذا قوي وازعه الديني, وذلك لارتباطه بالوحي الإلهي قال تعالى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (٢).

[المطلب الثاني: أهمية الأخلاق في الكتب السماوية السابقة, وفيه]

وهذا المطلب سنذكر فيه اتفاق الكتب السماوية بأكملها على أهمية الأخلاق, ثم نذكر علاج الأخلاق الفاسدة على النحو التالي:

[الفرع الأول: أهمية الأخلاق.]

إن الأخلاق بما لها من أهمية قد ورد الأمر بحميدها, والنهي عن سيئها في جميع الكتب السماوية؛ سواءً في العبادات أو في المعاملات, وقد اتحد الخطاب بذلك في التوراة والإنجيل قبل


(١) انظر: الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة (٢/ ٩٤٩ - ٩٥٠) مرجع سابق.
(٢) سورة الملك الآية: (١٤).

<<  <   >  >>