للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأضلوا كثيرا) يقول: فتقولون فيه كما قالوا _أي اليهود_ هو لغير رشدة, وتبهتوا أمه كما يبهتونها بالفرية, وهي صديقة ... " (١).

فتبين مما سبق أن كلا الفريقين اليهود والنصارى وقعا في الغلو في حق عيسى - عليه السلام -؛ ولكن ذهب كل فريق إلى طرف, فغلا النصارى في جانب الإطراء حتى جعلوه نداً لله, وغلا اليهود في جانب الجفاء حتى جعلوه ولد زنى, فبرأه الله مما قالوا (٢).

قال الإمام القرطبي رحمه الله: " (لاتغلوا) أي: لا تفرطوا كما أفرطت اليهود والنصارى في عيسى - عليه السلام - , فغلو اليهود قولهم في عيسى: ليس ولد رشدة, وغلو النصارى قولهم: إنه إله, والغلو مجاوزة الحد" (٣). وبهذا القول قال الإمام البيضاوي, والإمام الخازن رحمة الله عليهما.

وكلا الغلوين مذمومان, وذلك لأنهما خالفا الحق في دينهم, قال محمد سيد طنطاوي: " وقد غالى أهل الكتاب في شأن عيسى - عليه السلام - , أما اليهود فقد كفروا به ونسبوه إلى الزنا, وافتروا عليه وعلى أمه افتراء شديداً, وأما النصارى فقد وصفوه بالألوهية, فوضعوه في غير موضعه الذي وضعه الله فيه, وهو منصب الرسالة, وكما غالوا في شأن عيسى - عليه السلام - فقد غالوا أيضاً في تمسكهم بعقائدهم الزائفة، مع أن الدلائل الواضحة قد دلت على بطلانها وفسادها " (٤).

الفرع الثالث: ما يستفاد من النهي عن الغلو في الدين حديثاً.

أما النهي عن الغلو في الدين في الآية يعني أموراً:

أحدها: أن على أهل الكتاب أن يتركوا هذه الصفة الذميمة, وأن يسلكوا المنهج الوسط, وهو الحق الذي جاء به الرسل عليهم أكمل الصلاة وأتم التسليم.


(١) انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن (٦/ ٣١٦) مرجع سابق.
(٢) ويقصدون بقولهم ليس ولد رشدة أي: أنه ولد زنا. المرجع: صفوة التفاسير (١/ ٣٣١) , المؤلف: محمد بن علي الصابوني الأستاذ بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية مكة المكرمة جامعة الملك عبد العزيز، الناشر: دار الصابوني, الطبعة الأولى عام ١٤١٧ هـ ١٩٩٧ م.
(٣) انظر: الجامع لأحكام القرآن (٦/ ٢٥٢) مرجع سابق, وتفسير البيضاوي (٢/ ٣٥٥) مرجع سابق, ولباب التأويل في معاني التنزيل (٢/ ٣١٨).
(٤) انظر: التفسير الوسيط (١/ ١٣٣٦) , المؤلف: محمد سيد طنطاوي, مصدر الكتاب: موقع التفاسير http: www.altafsir.com.

<<  <   >  >>