للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الفرع الثاني: علاج الأخلاق الفاسدة.]

وأما إذا حصل الفساد لهذه الأخلاق فقد أنزل الله العلاج الذي يصلحها ويقيمها في القرآن الكريم الذي هو آخر الكتب السماوية, والمهيمن عليها, وإذا أصلحنا اعوجاج الأخلاق بأساليب القرآن الكريم تخلَّقت النفس بأحسن الأخلاق مع الأمم والشعوب, فيعمهم الأمن والسلام والصلاح والإصلاح, كما قال تعالى في سورة بني إسرائيل: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً} (١).

فالقرآن الكريم يهدي للتي هي أقوم, وكلمة (أقوم) من أفعال التفضيل كما قرر ذلك أهل التفسير واللغة, قال الطبري رحمه الله: "للسبيل التي هي أقوم من غيرها من السبل, وذلك دين الله الذي بعث به أنبياءه, وهو الإسلام, قال ابن زيد: للتي هي أصوب هو الصواب, وهو الحق, قال: والمخالف هو الباطل, وقرأ قول الله تعالى: {فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ} (٢) أي: فيها الحق" (٣).

قال القرطبي: "أقوم أي: الطريقة التي هي أسد وأعدل وأصوب, فالتي نعت لموصوف محذوف أي: الطريقة إلى نص أقوم, وقال الزجاج للحال التي هي أقوم الحالات, وهي توحيد الله والإيمان برسله" (٤).

وقال السعدي: "أي: أعدل وأعلى من العقائد والأعمال والأخلاق, فمن اهتدى بما يدعو إليه القرآن كان أكمل الناس وأقومهم وأهداهم في جميع الأمور" (٥).

وقال الشنقيطي (٦): "وهذه الآية الكريمة أجمل الله جلَّ وعلا فيها جميع ما في القرآن من الهدى إلى خير الطرق وأعدلها وأصوبها" (٧) , ثم أسهب رحمه الله في بيان معاني هذه الآية إلى أن قال: "فدل


(١) سورة الإسراء الآية: (٩).
(٢) سورة البينة الآية: (٣).
(٣) انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن، (١٥/ ٤٦ - ٤٧) مرجع سابق.
(٤) انظر: الجامع لأحكام القرآن، (١٠/ ٢٢٥) مرجع سابق.
(٥) انظر: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، (١/ ٤٥٤) مرجع سابق.
(٦) محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي، عاش في الفترة ما بين (١٣٢٥ - ١٣٩٣ هـ) مفسر مدرس من علماء شنقيط (موريتانيا)، له عدة مصنفات من أشهرها: أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن. انظر: الأعلام للزركلي (٦/ ٤٥) مرجع سابق.
(٧) انظر: أضواء البيان، (٣/ ١٧) مرجع سابق.

<<  <   >  >>