للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وغلو باطل: وهو أن يتجاوز الحق ويتخطاه بالإعراض عن الأدلة واتباع الشبه, كما يفعل أهل الأهواء والبدع" (١).

أقول: ولا يخفى عليك أن اليهود والنصارى أولى بهذا الباطل من أهل الأهواء البدع.

المطلب الثالث: الغلو في الدين عند أهل الكتاب حديثاً:

لا يزال الغلو في الدين قائماً بين أهل الكتاب من اليهود والنصارى إلى اليوم, وسنذكر هنا نماذج وصوراً يتجلى من غلوهم في الدين حديثاً, فمن ذلك:

[الفرع الأول: غلوهم في عيسى - عليه السلام -]

إن أهل الكتاب لم يكتفوا بالكفر والشرك, بل كانوا من المغالين جداً, ولا يزالون إلى يومنا هذا على اعتقاداتهم الفاسدة التي لا تنبني على منطق وواقعية، كمقولتهم في حقيقة المسيح باللاهوت, والناسوت (٢)، ومقولتهم في التثليث (٣) الذي ينتج توحيداً كما يزعمون, والفداء, وغيرها مما لا يقبله عقل بشري.

قال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} (٤).


(١) انظر: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، (١/ ٦٩٩) مرجع سابق، وهو يقصد بالمتكلمين من أهل العدل والتوحيد المعتزلة, والتمثيل بهم غير سديد.
(٢) الناسوت واللاهوت: مصطلحان يعبران عن عقيدة أساسية في المسيحية, أن للمسيح طبيعة إلهية اللاهوت وطبيعة إنسانية الناسوت, وأن الكلمة الإلهية اللاهوت اتحدت بجسم المسيح واختلطت بناسوته (الجزء الإنساني منه) وصار طبيعةً واحدة وأقنوماً واحداً هو الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس عندهم. انظر: الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة (٢/ ١١٥٧) مرجع سابق.
(٣) نشأ مصطلح التثليث في الديانة النصرانية على يد بولس المتأثر بالفلسفة الإغريقية, وفلسفة أفلاطون, ويعتقد النصارى بأن الله تعالى ثلاثة أقانيم وهي: الله الآب, والله الابن (الذي هو عيسى ابن مريم في زعمهم) والله الروح القدس, وأنهم متساوون من حيث الأزلية, وجوهر الإلهية والقدرة, وعلى ذلك فإن التثليث موضع اتفاق بين الكنائس كلها. انظر: الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة (٢/ ١٠٠٠) مرجع سابق.
(٤) سورة المائدة الآية: (٧٧).

<<  <   >  >>