قال: يَنْفَعُكَ إن حَدَّثْتُكَ؟
قال: أَسْمَعُ بِأُذُنَيَّ.
قال: جِئْتُ أَسْأَلُكَ عن الْوَلَدِ؟
قال: مَاءُ الرَّجُلِ أَبْيَضُ وَمَاءُ الْمَرْأَةِ أَصْفَرُ , فإذا اجْتَمَعَا فَعَلَا مَنِيُّ الرَّجُلِ مَنِيَّ الْمَرْأَةِ أَذْكَرَا بِإِذْنِ اللَّهِ , وإذا عَلَا مَنِيُّ الْمَرْأَةِ مَنِيَّ الرَّجُلِ آنَثَا بِإِذْنِ اللَّهِ.
قال: الْيَهُودِيُّ لقد صَدَقْتَ, وَإِنَّكَ لَنَبِيٌّ.
ثُمَّ انْصَرَفَ, فَذَهَبَ, فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لقد سَأَلَنِي هذا عن الذي سَأَلَنِي عنه ومالي عِلْمٌ بِشَيْءٍ منه حتى أَتَانِيَ الله بِهِ} " (١).
فحينما سمع اليهودي الجواب من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موافقاً لما في كتبهم, ما كان منه إلا أن أعلن موقفه من ذلك بقوله: صدقت, وإنك لنبي, فتبين من هذه المناظرة أن اليهودي كان باحثاً عن الحق لا يريد جدالاً للعناد, وإنما يريد التأكد من صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , ولو كان اليهودي لا يعرف الجواب على مثل هذه الأسئلة لما شهد في آخر حديثه لرسول الله بالنبوة والصدق, وهذا هو الذي ينبغي أن يكون عليه أهل الكتاب في عصرنا الحديث, بأن يقوموا بقراءة القرآن الكريم بإنصاف وموضوعية, ويطلِّعوا على ما فيه من المعجزات, والآيات البينات التي تتحدث عن الأمور العلمية, والتي تتطابق مع العلوم الموجودة في عصرنا الحديث, وتصفها بدقة, والتي لا توجد في غيره من الكتب السماوية السابقة, حتى يتبين لهم معرفة الحق من الباطل كما فعل السابقون منهم قديماً.
وتدل هذه المناظرة أيضاً على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان مؤيداً بالوحي الإلهي في كل أوقاته لقوله - صلى الله عليه وسلم - في آخر حديثه: لقد سألني هذا عن الذي سألني عنه ومالي علم بشيء منه حتى أتاني الله به.
ثانياً: مناظرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع بعض اليهود المعاندين:
ونذكر هنا أيضاً مناظرة أخرى وقعت مع مجموعة من اليهود, وهي بعكس من وقعت معه المناظرة السابقة حينما أراد أن يتأكد من نبوة رسول الله فتبين موقفه حينما آمن وصدق, وأما هؤلاء فإنما أرادوا اتباع أهوائهم من الباطل بغير هدى من الله, فقد اشترط عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهذا الحوار
(١) أخرجه مسلم في كتاب الحيض باب بيان صفة مني الرجل والمرأة وأن الولد مخلوق من مائهما, (١/ ٢٥٢) برقم: (٣١٥) مرجع سابق.