للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذه النصوص من أسفار اليهود تدل على أن الله قد علم ما في نفوس أهل الكتاب من حبهم للتحريف, ومخالفتهم لأوامر ربهم, فلذلك خاطبهم بمثل هذا الخطاب, ولم يخاطب الله المسلمين بذلك لعلمه أنهم لن يقوموا بمثل هذا الفعل القبيح من التحريف, وقد علَّق عبد الأحد داود القسيس الذي هداه الله للإسلام على هذه النصوص بقوله: " ولم ينه القرآن المسلمين عن التحريف؛ لأنه تعالى قد ضمن عصمة كتابه عن التحريف والتبديل والضياع, فقال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (١) على أن ذمه تعالى أهل الكتاب بتحريف كلم كتابه عن مواضعه قد علم المسلمين عظم إثمه وقبحه, وقبح من وصُف به بقوله تعالى: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} (٢) وقال تعالى: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ} (٣) " (٤).

فتبين من الأدلة السابقة أن القرآن الكريم يثبت ممارستهم التحريف لكلام الله, وأن كتب أهل الكتاب تشهد أيضاً عليهم بممارسة التحريف, فكتبهم حرفتها أيدي البشر قبل نزول القرآن الكريم وبعده, ومع ذلك فلا يزال تحريفهم مستمراً في كل زمانٍ ومكان حتى يومنا هذا, لأنهم قد جبلوا على المخالفة لأوامر الله تعالى, وسيأتي التمثيل على ذلك في المبحث الأخير من هذا الفصل.

المطلب الثالث: أنواع التحريف عند أهل التفسير إجمالاً:

لقد ورد الخطاب من الله تعالى لأهل الكتاب يأمرهم فيه أن يلتزموا بطاعته, وأن لا يخالفوه فيها, وسيكون لهم من الخير والنعمة ما الله به عليم, فأبى أهل الكتاب إلاَّ أن يخالفوا أوامره, وينتهكوا ما حرم عليهم, فقاموا بالتحريف والتبديل لكلام الله في كتبه, واشتروا بها الثمن القليل, وأصبح القارئ حينما يقرأ تلك الكتب لا يستطيع التفريق بين الحق والباطل فيها, ولا يستطيع أن يميز بين كلام الله وكلام غيره؛ وذلك لما شابها من التحريف.

وقد كان تحريفهم لكلام الله ولكتبه قديماً وحديثاً على قسمين رئيسين نذكرهما على سبيل الإجمال:


(١) سورة الحجر الآية: (٩).
(٢) سورة النساء الآية: (٤٦).
(٣) سورة المائدة الآية: (٤١).
(٤) انظر: كتاب الإنجيل والصليب (ص: ٣٩) مرجع سابق.

<<  <   >  >>