للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبين ابن الجوزي أن المقصود بإقامة التوراة والإنجيل والقرآن هو: " إقامتها والعمل بما فيها, ومن ذلك الإيمان بمحمد - صلى الله عليه وسلم - " (١).

وقال الألوسي: "الإقامة أن تراعوهما وتحافظوا على ما فيها من الأمور التى من جملتها دلائل رسالة النبى - صلى الله عليه وسلم - " (٢).

والخلاصة فيما سبق أن المقصود بإقامة التوراة والإنجيل والقرآن هو: العمل بما فيها, والإيمان الصادق بها, والاعتقاد الجازم أن كل كتاب هو متمم ومكمل لما قبله وناسخ له, وإن من أولويات هذا الإيمان هو الإيمان بالله, والتصديق الكامل بما جاء به رسل الله الكرام لهداية أهل الكتاب, وإلا فليسوا على شيء من الدين الحق.

وأما أهل الكتاب فقد تبين موقفهم أنهم لم يقيموا التوراة والإنجيل والقرآن, ولكنهم قاموا بتحريف ما قدروا عليه منها, وكتمان ما فيها, وأخفوا أحكامها, ولو أقاموها كما أمرهم الله لكان خيراً لهم, ولأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم, قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ} (٣).

وقال تعالى: {ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} (٤).

وتبين أيضاً أنهم لم يؤمنوا بما أنزله الله عليهم من الكتب, ولم يعملوا بما فيها, وابتدعوا فيها ما لم يشرعه الله لعباده, بل ونقضوا العهد الذي بينهم وبين خالقهم على العمل بما فيها.

وخلاصة هذه الآيات السابقة في الخطاب القرآني أنها تبين أن من تمام إيمان أهل الكتاب إقامتهم لكتب الله, وأن لا يلبسوا فيها الحق بالباطل, وأن لا يكتموا ما فيها من الحق ليتحقق لهم ما وعدهم الله به.

وهذا هو الواجب على أهل الكتاب في كل زمانٍ ومكان.


(١) انظر: زاد المسير (٢/ ٣٩٨) مرجع سابق.
(٢) انظر: روح المعاني: (٦/ ٢٠٠) مرجع سابق.
(٣) سورة المائدة الآية: (٦٥ - ٦٦).
(٤) سورة الحديد الآية: (٢٧).

<<  <   >  >>