للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الخطاب القرآني لأهل الكتاب فيما يتعلق بالأخلاق, وفيه ثلاثة مباحث:

مقدمة:

إن من سنن الله الجارية في هذا الكون منذ خلق الخلق أن جعل فيه من كل زوجين اثنين, وذلك كالذكر والأنثى, والجن والإنس, والأرض والسماء, والليل والنهار, والجنة والنار, وكذلك من سنة الله في الخلق أن قسَّم الناس في عقيدتهم إلى مؤمن وكافر, وهؤلاء انقسموا في أخلاقهم وطباعهم, فمنهم صاحب الخلق الحميد, ومنهم صاحب الخلق الذميم, وهذه الأخلاق والطباع لها أهمية كبيرة في المجتمع, وهي تحتاج إلى تقويم وتعديل على الدوام؛ لأن أصحاب الأخلاق السليمة هم من أحب الخلق إلى الله, وأقربهم منزلة من رسوله - صلى الله عليه وسلم -.

وتزداد دراسة موضوع الأخلاق أهمية كونها أصبحت ميزاناً تُقيَّم بها الشعوب والأمم, وتعرف من خلال ممارستها تلك الأخلاق, وقد أرسل الله عز وجل محمداً - صلى الله عليه وسلم - مكملاً ومتمماً لمكارم الأخلاق كما قال - صلى الله عليه وسلم -: {إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق} (١) قال الألباني: صحيح (٢).

ولأهمية الأخلاق ومكانتها فإنها كانت ضمن أهم أهداف رسالة خاتم الأنبياء والمرسلين محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن الأخلاق إذا فسدت تكون سبباً من أسباب الفساد والإفساد بين الأمم, كما أنها إذا صلحت تكون سبباً في الصلاح والإصلاح بينها.

يقول الشاعر أحمد شوقي:

إنَّما الأممُ الأخلاقُ ما بقيت ... فإنْ همُ ذهبتْ أخلاقهم ذَهبوا

وربما تكون أعظم الأزمات التي نعاني منها في عصرنا الحديث هي أزمة أخلاق وقيم, وأعظم من يعطل الأخلاق والقيّم هم أهل الكتاب الذين جعلوا الأخلاق رخيصة, فلا يقيمون وزناً لعهد ولا ميثاق, ولا يحترمون ديناً, ولا يعظمون نبياً, وقلَّ أن تجد عندهم خُلقا الصدق والأمانة إلا بما يخدم


(١) أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده, (٢/ ٣٨١) برقم (٨٩٣٩) مرجع سابق, وسنن البيهقي الكبرى (١٠/ ١٩٢) برقم (٢٠٥٧١) المؤلف: أحمد بن الحسين بن علي بن موسى أبو بكر البيهقي, الناشر: مكتبة دار الباز مكة المكرمة، ١٤١٤ - ١٩٩٤, تحقيق: محمد عبد القادر عطا, صحيح الأدب المفرد (١/ ١٠٤) رقم (٢٧٣) , المؤلف: محمد بن إسماعيل أبو عبد الله البخاري الجعفي, الناشر: دار البشائر الإسلامية - بيروت, الطبعة الثالثة، ١٤٠٩ - ١٩٨٩, تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي.
(٢) انظر: صحيح الأدب المفرد (١/ ١٠٤) رقم (٢٧٣) مرجع سابق.
(٢)

<<  <   >  >>