للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم} (١) حتى بلغ: {وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ} قال: هذا عهده الذي عهده لهم" (٢).

فتبين من كلام الطبري أن العهد الذي أخذه الله على بني إسرائيل هو الإيمان بالله وبرسله, وخاصة محمد - صلى الله عليه وسلم - المذكور في كتبهم السابقة, وأن لا يكتموا صفاته, فهذا العهد الذي طلب الله منهم أن يوفوا به, هو عهد الله ووصيته لهم, فإن فعلوا ذلك فعهد الله لهم أن يدخلهم الجنة.

وأما قول ابن زيد وتلاوته لقوله تعالى: {إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم} وأنه عهد الله الذي عهد إليهم فهو محمول على أنه يريد أن يبين معنى (أوف بعهدكم) وأنه هو الجزاء المذكور في قوله تعالى: (بأن لهم الجنة) في الآية التي تلاها, وذلك لقوله تعالى: {وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ} , فلا ينافي ما ذكره أكثر المفسرين.

والذي يظهر أن قول ابن عباس رضي الله عنهما هو الصواب من بين الأقوال السابقة؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد جاء بكل الأوامر السابقة من إقامة الصلاة, وإيتاء الزكاة والصدقة, والإيمان بجميع الرسل وتصديقهم ونصرتهم وتعظيمهم, واتباع ما جاءوا به من كتاب ربهم, وتحريم القتل وسفك الدماء, فمن كان يحب الله فليتبع رسوله الأمي الذي أحل الطيبات, وحرم الخبائث, ووضع جميع الإصر والأغلال السابقة, قال تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (٣).

وأما سبب تسمية ما سبق عهداً, فقد ذكر الإمام الماوردي رحمه الله أن في ذلك قولين:

أحدهما: لأنه عهده في الكتب السالفة.

والثاني: أنه جعله كالعهد الذي هو يمين؛ للزوم الوفاء بهما معاً" (٤).

والقولان متلازمان, فهو مذكور في الكتب السابقة كعهد تجب المحافظة عليه ومراعاته, وأيضاً هو أمر مؤكد لازم الوفاء, وإذا كان الله تعالى قد أخذ الميثاق على الأنبياء بقوله: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ


(١) سورة التوبة الآية: (١١١).
(٢) انظر: جامع البيان عن تأويل آي القرآن, (١/ ٢٥٠ - ٢٥١) مرجع سابق.
(٣) سورة آل عمران الآية: (٣١).
(٤) انظر: النكت والعيون (١/ ١١١) مرجع سابق.

<<  <   >  >>