للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال الآمدي (١): " قد قيل فيه: هو الكلام الذي يفهم المستمع منه شيئاً. ثم قال رحمه الله: "وهو غير مانع، فإنه يدخل فيه الكلام الذي لم يقصد المتكلم به إفهام المستمع، فإنه على ما ذكر من الحد، وليس خطاباً, وقال: والحق أنه اللفظ المتواضَع عليه المقصود به إفهام من هو متهيئ لفهمه.

_ثم شرح ذلك فقال_: (فاللفظ) احتراز عما وقعت المواضعة عليه من الحركات والإشارات المفهمة, و (المتواضَع عليه) احتراز عن الألفاظ المهملة, و (المقصود به الإفهام) احتراز عما ورد على الحد الأول, وقولنا: (لمن هو متهيئ لفهمه) احتراز عن الكلام لمن لا يفهم، كالنائم والمغمى عليه ونحوه" (٢).

والذي يظهر أن التعريف الذي اختاره الإمام الآمدي رحمه الله هو التعريف الصحيح؛ وذلك لما ذكره في شرح التعريف من الاحتراز عن الحركات والإشارات المفهمة؛ لأن القرآن الكريم كلام الله تعالى الذي خاطب به عباده, وشأن ذلك لله تعالى طريقها التوقيف, وترك الخوض فيما زاد على ذلك إثباتاً أو نفياً.

والإشارات المفهمة المحترز عنها هي إشارات اليد ونحوها مما يتفاهم به المتخاطبون, وليس المقصود الاحتراز عن دلالة الإشارة التي يتكلم عنها البيانيون وأهل الأصول, وذلك الاحتراز عن الألفاظ المهملة ونحوها؛ لإن القرآن الكريم منزه عن ذلك.

وكذلك ما احترز عنه بقوله: (المقصود به الإفهام) فإن خطاب أهل الكتاب في القرآن الكريم مقصود به إفهامهم, لأنهم يعلمون ما في الكتب السابقة من البشارات بالدين الجديد الكامل, وبالنبي الخاتم وصفاته, وأنه سيكشف الخلاف للذين يؤمنون بشريعة الله. وكذلك ما احترز عنه بقوله: (لمن


(١) الآمدي: هو أبو الحسن علي بن أبي علي بن محمد بن سالم سيف الدين الآمدي، ولد بعد الخمسين وخمسمائة بيسير، ومات سنة (٦٣١ هـ) له عدة مؤلفات منها: الإحكام في أصول الأحكام. انظر: طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (٢/ ٨٠)، المؤلف: أبي بكر بن أحمد بن محمد بن عمر بن قاضي شهبة، الناشر: عالم الكتب بيروت، الطبعة الأولى ١٤٠٧ م، تحقيق د: الحافظ عبد العليم خان، وطبقات الشافعية الكبرى (٨/ ٣٠٦)، المؤلف: تاج الدين عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي السبكي، دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع الطبعة الثانية ١٤١٣ هـ، تحقيق د: محمود محمد الطناحي، ود: عبد الفتاح محمد الحلو.
(٢) انظر: الإحكام في أصول الأحكام، (١/ ١٣٦) المؤلف: علي بن أحمد بن حزم الأندلسي أبو محمد، الناشر: دار الحديث القاهرة ١٤٠٤، الطبعة: الأولى.

<<  <   >  >>