للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فجوابه: أنَّ العداوة ثابتة بينهم في الدين بانقسامهم فِرقاً، وذلك الانقسام يجرُّ إليهم العداوة وخذْل بعضهم بعضاً.

ثم إنَّ دولهم كانت منقسمة ومتحاربة، ولم تزل كذلك، وإنّما تألَّبوا في الحروب الصَّليبية على المسلمين, ثم لم يلبثوا أن تخاذلوا وتحاربوا، ولا يزال الأمر بينهم كذلك إلى الآن, وكم ضاعت مساعي الساعين في جمعهم على كلمة واحدة, وتأليف اتّحاد بينهم، أليسوا قد أقاموا حلف ألأطلسي, والاتحاد الأوروبي, وحلف وارسوا؟ ؟ وكان اختلافهم لطفاً بالمسلمين في مختلف عصور التَّاريخ الإسلامي، على أنَّ اتَّفاقهم على أمَّة أخرى لا ينافي تمكُّن العداوة فيما بينهم، وكفى بذلك عقاباً لهم على نسيانهم ما ذكِّروا به (١).

وهذه العداوة والبغضاء تشمل اليهود والنصارى كما قال سيد طنطاوي: "والذي تطمئن إليه النفس أن قوله تعالى: (فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ العداوة والبغضاء إلى يَوْمِ القيامة) يشمل ما بين اليهود والنصارى من عداوة ظاهرة مستحكمة يراها الرائي في كل العصور والأزمان، كما يشمل ما بين فرق النصارى من اختلاف وتباغض وتقاتل؛ بسبب عقائدهم الزائغة وأهوائهم الفاسدة, وما نراه من تصارع وتقاتل بين طائفتي الكاثوليك والبروتستانت في ايرلاندا وفي غيرها خير شاهد على صدق القرآن الكريم" (٢).

وقد بين الشيخ محمد الغزالي السبب في هذه العداوة والبغضاء بين أهل الكتاب, وبيَّن أن المخرج منها هو الالتزام بعهد الله بقوله: "وتاريخ المسيحية شاهد صدق على هذا الشقاق الدامي بين شتى الكنائس, ولن تنسى أوربا الحروب الدينية الكثيرة التي ملأت ساحاتها بالدماء! وقد وضعت هذه الحروب أوزارها، إلا أن الكراهية ناشبة في أعماق الصدور يخفيها انشغال الكل بالعلمانية التي أقصت الدين وسيطرت على الدولة, ونرى أن هذه الهدنة عارضة، وأن الخصام عائد إلى الظهور حتما؛ لأن أسبابه قائمة، وهو ما تؤكده الآية, والواقع أنه لا سلام إلا في الإسلام، ولن تطهر الأيدي من الدماء إلا إذا عمرت الأفئدة بالاعتقاد الحق في الإله الواحد! وهذا معنى قوله تعالى: (فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ العداوة والبغضآء إلى يَوْمِ القيامة) موقظاً القوم إلى ما يجب عليهم" (٣) , وصدق الله القائل: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ


(١) انظر: التحرير والتنوير (٤/ ٢٣٩) , (٥/ ٦٥) مرجع سابق.
(٢) انظر: الوسيط لسيد طنطاوي (١/ ١٢٠٨ - ١٢٠٩) مرجع سابق.
(٣) انظر: نحو تفسير موضوعي (ص: ٦٩) , المؤلف: محمد الغزالي, الناشر: دار نهضة مصر, الطبعة: الأولى.

<<  <   >  >>