للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} (١) فدلَّت هذه الآية على أن العهد والميثاق هو الإيمان بالرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه مصدق بنبوة موسى وعيسى عليهما السلام, ومصدق للبشارات التي تحدثت عن نبوته في التوراة والإنجيل قبل تحريفها, فمجرد مجيئه - صلى الله عليه وسلم - يعتبر تصديقاً لها.

وأيضا لقد ثبت من كتمانهم لصفاته وعلاماته - صلى الله عليه وسلم - في الكتب السابقة ما جاء في قوله تعالى: {وَإِذَ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} (٢).

فكان موقف أهل الكتاب من هذا العهد والميثاق أنهم خانوه, وقاموا بنبذه، والكفر بما في كتب الله من البشارات, كما قال تعالى: {وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ} (٣).

وهذا النقض هو من الخيانة التي وصفهم الله بها, وقد أصبحت الخيانة صفة متجسدة فيهم في كل زمان ومكان كما أسلفنا, قال تعالى: {وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (٤).

وأما الخطاب في هذه الآية من الله لرسوله - صلى الله عليه وسلم - فهو على سبيل التسلية له وللمؤمنين, بأن نقض العهود والمواثيق قد أصبح من سجايا اليهود والنصارى, فإنهم كل ما عاهدوا عهداً فإنهم سينقضونه وينبذونه، إما كلهم أو بعضهم, وهذه عادتهم في كل زمانٍ ومكان, وذه الآية تؤكد لنا أن ما يحصل في عصرنا الحديث من نقض للعهود والمواثيق والاتفاقيات من قبلهم سيستمر على مر العصور, فاليهود هم أول من يبدأ بالنقض, والنصارى هم من يؤيدون ويناصرون ذلك.

قال سيد قطب رحمه الله ففي هذه الآية: "يصور الله حال اليهود في المجتمع المسلم في المدينة؛ فهم لا يكفون عن محاولة خيانة رسول الله, وقد كانت لهم مواقف خيانة متواترة، بل كانت هذه هي حالهم طوال إقامتهم معه في المدينة, ثم في الجزيرة كلها, وما تزال هذه حالهم في المجتمع الإسلامي على مدار التاريخ، على الرغم من أن المجتمع الإسلامي هو المجتمع الوحيد الذي آواهم، ورفع عنهم


(١) سورة البقرة الآية: (١٠١).
(٢) سورة آل عمران الآية: (١٨٧).
(٣) سورة البقرة الآية: (٨٩).
(٤) سورة المائدة الآية: (١٣).

<<  <   >  >>