الشجعان من أصحابه إذا اشتد بهم الأمر اتقوا به، وكان أقربهم إلى العدو، وكان يعين لأصحابه شعارًا يعرف به بعضهم بعضًا، وكان شعارهم مرّة (أمت أمت)، ومرة (يا منصور يا منصور)، وحينًا (حم لا ينصرون). وكان في بعض الأحيان يلبس الدرع ويجعل الخوذة على رأسه ويتقلد حمائل السيف ويحمل الرمح ويعتضد القوس، وربما رفع الدرقة وكان يحب التبختر في حال الحرب ويسوى المنجنيق على الأعداء، كما فعل في الطائف، ونهى عن قتل النساء والأطفال وأمر المقاتلة أن ينظروا، فمن ثبت قتلوه ومن لم يثبت استحيوه وأسروه. وكان إذا أرسل طائفة للغزو أمرهم بتقوى الله فقال:"سيروا باسم الله وفي سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله ولا تمثلوا ولا تغدروا ولا تقتلوا وليدًا".
ونهى - صلى الله عليه وسلم - عن حمل القرآن إلى دار الحرب، وكان إذا بعث سرية أمر أميرها أن يدعو إلى الإسلام والهجرة أو الإسلام فقط بغير هجرة ويكون حكمهم حكم أعراب السلمين لا نصيب لهم في مال الفئ، ويبذلوا الجزية، وإن امتنعوا من جميع ذلك استعان بالله وقاتلهم. وكان - صلى الله عليه وسلم - إذا ظفر بقوم أمر أن ينادى بجميع الغنائم كلها، ثم ابتدأ بالسلب فأعطى كل قاتل سلب مقتوله - يعني ثيابه وما عليه - ثم يخرج خمس الباقي ويصرفه في مصالح الإسلام كما عينها الله تعالى، وما بقى منه أعطى منه النساء والصبيان والأرقاء، ثم قسم الباقي بين العسكر للفارس ثلاثة أسمهم وللراجل سهم. هذا هو الصحيح. والأنفال من صلب الغنيمة على ما يرى فيه من المصلحة.
وقال بعضهم: كانت الأنفال من جملة الخمس. وبعضهم يقول: من خمس الخمس، وذا أضعف الأقوال. وفي بعض الغزوات أعطى سلمة بن الأكوع خمسة سهام؛ لأنه في تلك الغزوة وافقه توفيق عظيم، وظهر من إقدامه أمور عجيبة. وكان - صلى الله عليه وسلم -، يسوي بين الضعيف والقوى في القسمة، وكان إذا قصد ديار العدو في بعض الأحيان يرسل سرية، فإذا ظفروا بغنيمة أخرج منها الخمس وأخرج الربع من الباقي وخص به السرية، وقسم الباقي بينهم وبين العسكر بالسوية، ومع هذا كان يكره النفل ويقول: "ينبغي للأقوياء أن