أنه قال وهو في سياقة الموت: إذا أنا متّ فلا تصحبني نائحة ولا نار، فإذا دفنتموني فشنّوا عليَّ التراب شنًا، ثم أقيموا حول قبري قدر ما يُنحر جزور ويقسم لحمها أستأنس بكم، وأنظر ماذا أراجع به رسل ربي.
وروينا في هذا المعنى حديث حذيفة المتقدم في باب إعلام أصحاب الميت بموته، وغير ذلك من الأحاديث، وفيما ذكرناه كفاية وبالله التوفيق.
قلت: وينبغي أن لا يقلد الميتُ ويتابع في كلّ ما وصَّى به، بل يُعرض ذلك على أهل العلم، فما أباحوه فعل ما لا فلا. وأنا أذكر من ذلك أمثلة، فإذا أوصى بأن يدفن في موضع من مقابر بلدته، وذلك الموضع معدن الأخيار فينبغي أن يُحافظ على وصيته، وإذا أوصى بأن يُصلِّي عليه أجنبي فهل يُقَدَّم في الصلاة على أقارب الميت؟ فيه خلاف للعلماء، والصحيح في مذهبنا أن القريب أولى، لكن إن كان الموصَى له ممّن يُنسب إلى الصلاح أو البراعة في العلم مع الصيانة والذكر الحسن، استحبّ للقريب الذي ليس هو في مثل حاله إيثاره رعاية لحقّ الميت، وإذا أوصى بأن يُدفن في تابوت لم تنفذ وصيته، إلا أن تكون الأرض رخوة، أو نديّة يحتاج فيها إليه، فتُنفذ وصيّته فيه ويكون من رأس المال كالكفن. وإذا أوصى بأن يُنقل إلى بلد آخر لا تنفّذ وصيّته، فإن النقلّ حرامٌ على المذهب الصحيح المختار الذي قاله الأكثرن وصرّح به المحققون، وقيل: مكروه.
قال الشافعي رحمه الله: إلا أن يكون بقرب مكة أو المدينة أو بيت المقدس فيُنقل إليها لبركتها. وإذا أوصى بأن يُدفَن تحته مِضربة أو مخدة تحتَ رأسه أو نحو ذلك لم تُنفذ وصيّته. وكذا إذا أوصى بأن يُكفَّن في