للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يدل على رحمة خالقه، وإحسانه، وجوده، وما فيه من آثار الكمال يدل على أن خالقه أكمل منه، فمعطي الكمال أحق بالكمال.

وخالق الأسماع والأبصار والنطق أحق أن يكون سميعاً بصيراً متكلماً.

وخالق الحياة والعلوم والقدر والإرادات، أحق بأن يكون هو كذلك في نفسه، فما في المخلوقات من أنواع التخصيصات هو من أدل شيء على إرادة الرب -سبحانه- ومشيئته، وحكمته التي اقتضت التخصيص، وحصول الإجابة عقيب سؤال الطالب على الوجه المطلوب دليل على علم الرب تعالى بالجزئيات، وعلى سمعه لسؤال عبده، وعلى قدرته على قضاء حوائجهم، وعلى رأفته ورحمته بهم، والإحسان إلى المطيعين، والتقرب إليهم، والإكرام لهم، وإعلاء درجاتهم يدل على محبته ورضاه. وعقوبته للعصاة، والظلمة، وأعداء رسله بأنواع العقوبات المشهورة تدل على صفة الغضب والسخط والإبعاد، والطرد، والإقصاء يدل على المقت، والبغض.

فهذه الدلالات من جنس واحد عند التأمل، ولهذا دعا -سبحانه- عباده إلى الاستدلال بذلك على صفاته. فهو يثبت العلم بربوبيته، ووحدانيته، وصفات كماله بآثار صنعته المشهودة، والقرآن مملوء بذلك، فيظهر شاهد اسم الخالق من المخلوق نفسه، وشاهد اسم الرازق من وجود الرزق ... " (١) وغير ذلك.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "وهو سبحانه ليس كمثله شيء لا في نفسه المقدسة المذكورة بأسمائه وصفاته، ولا في أفعاله، فكما نتيقن أن الله سبحانه له ذات حقيقة، وله أفعال حقيقة، كذلك له صفات حقيقة وهو ليس كمثله شيء لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، وكل ما أوجب نقصاً أو حدوثاً فإن الله منَزَّهٌ عنه حقيقة، فإنه سبحانه مستحق للكمال الذي لا غاية فوقه" (٢).


(١) ينظر: مذكرة التوحيد (ص ٣٢ - ٣٩).
(٢) مجموع الفتاوى (٥/ ٢٦).

<<  <   >  >>