للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والعقل الصريح يقطع بأن المخلوق لابد له من خالق، والمصنوع لابد له من صانع، والحادث لابد له من محدث؛ لاستحالة حدوث الحادث بنفسه. وقد أرشدنا الله إلى ذلك في كثير من آيات القرآن الكريم.

قال تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (٣٥)} الطور: ٣٥.

فقد أنكر - سبحانه-: أن يكونوا قد خُلقوا بلا خالق، وأن يكونوا قد خَلقوا أنفسهم، فإنه لابدّ لهم من خالق موجود مغاير لهم وهو الله - تعالى - (١).

ثالثاً: الأدلة من الفطرة:

وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} النحل: ٣٦، فالرسل دعوا أقوامهم ابتداءً إلى توحيد الألوهية وإفراد الله تعالى بالعبادة، ولو لم يكن الإقرار بالله تعالى وربوبيته أمراً فطرياً لابتدؤوا أقوامهم بذلك؛ لأن الأمر بتوحيده تعالى في عبادته فرع عن الإقرار به وبربوبيته (٢)، ولصح لأعداء الرسل عند دعوتهم لهم أن يقولوا نحن لم نعرفه أصلاً فكيف تأمروننا بعبادته؟ ولما لم يحدث ذلك منهم دل على أن معرفتهم بالله مستقرة في فطرهم (٣).

بين الشيخ عبد الرزاق - رحمه الله -: "أن هذا النوع من التوحيد قد أقرت به الفطرة، وقام عليه دليل السمع والعقل، ولم يعرف عن طائفة بعينها القول بوجود خالقين متكافئين في الصفات والأفعال، ومن نقل عنهم من طوائف المشركين نسبة شيء من الآثار والحوادث لغير الله، كقوم هود، حيث قالوا فيما حكاه الله عنهم: {إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ} هود: ٥٤.فإن ما نسبوه إلى آلهتهم إنما كان لزعمهم أنها وثيقة الصلة بالله، وأنها شفيعة لمن عبدها، وتقرب إليها بالقرابين عند الله، في جلب النفع له، ودفع الضّر عنه.


(١) توضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة الإمام ابن القيم، لأحمد بن إبراهيم بن عيسى (١/ ١٧).
(٢) ينظر: درء التعارض (٣/ ١٢٩ - ١٣٠).
(٣) ينظر: درء التعارض (٨/ ٤٤٠).

<<  <   >  >>