للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"قيل: إن معناه أن معجزات الأنبياء انقرضت بانقراض أعصارهم، فلم يشاهدها إلا من حضرها. ومعجزة القرآن مستمرة إلى يوم القيامة، وخرقُه العادةَ في أسلوبه وبلاغته وإخباره بالمغيبات، فلا يمر عصر من الأعصار إلا ويظهر فيه شيء مما أخبر به أنه سيكون، يدل على صحة دعواه.

وقيل: المعنى أن المعجزات الواضحة الماضية كانت حسية تشاهد بالأبصار؛ كناقة صالح وعصا موسى، ومعجزة القرآن تشاهد بالبصيرة، فيكون من يتبعه لأجلها أكثر، لأن الذي يشاهد بعين الرأس ينقرض بانقراض مشاهده، والذي يشاهد بعين العقل باقٍ، يشاهده كل من جاء بعد الأول مستمراً" (١).

قال ابن حجر - رحمه الله -: ويمكن نظم القولين في كلام واحد؛ فإن محصلهما لا ينافي بعضه بعضاً.

ولا خلاف بين العقلاء: أن كتاب الله تعالى معجز، لم يقدر واحد على معارضته بعد تحديهم بذلك، قال تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} التوبة: ٦، فلولا أن سماعه حجة عليه لم يقف أمره على سماعه، ولا يكون حجة إلا وهو معجزة (٢).

[٢ - حفظ الله لكتابه]

وبين الشيخ - رحمه الله - ذلك، فيقول: "وعد سبحانه الأمة بحفظ كتابه، وتكفل لها ببقاء دينه لتقوم به الحجة دائماً وتسقط المعاذير، حيث لا نبي بعد محمد - صلى الله عليه وسلم - ولا تشريع بعد تشريعه، حتى يرث الله الأرض ومن عليها قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٩)} الحجر: ٩، فقيض سبحانه لهذا الكتاب المبين من يحفظه من الزيادة فيه والنقص منه، ومن التقديم والتأخير في آياته أو كلماته، وتحريف ألفاظه أو معانيه بسوء فهمها وبيانها بغير ما قصد منها وأريد بها من التأويلات الباطلة والآراء الزائفة قصداً أو عن غير قصد، فما من عصر من العصور إلا وفيه من أئمة الدين وأهل البصيرة فيه من ينفي عن كتاب الله، ويدفع


(١) الإتقان في علوم القرآن (٢/ ٢٢٨).
(٢) فتح الباري (٩/ ٦)، وينظر: وعمدة القاري للعيني (٢٠/ ١٣) و (٢٥/ ٢٥)، الاعتقاد والهداية للبيهقي (ص ٢٠٩)،ودراسات في علوم القرآن، أ. د. فهد الرومي (ص ٢٥٥) وما بعدها.

<<  <   >  >>