للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"كذلك من الصفات المثبتة لله سبحانه وتعالى صفة الحكم، فقد أثبتها لنفسه في كثير من الآيات، والمقصود بالحكم الفصل، والفرق بينه وبين صفة القضاء: أن صفة القضاء يختلف إطلاقها باختلاف المخاطب (١)، أما الحكم فلا يكون إلا جازماً، ولذلك فالقضاء قد يكون بالخطاب التكليفي الشرعي وقد يكون بالخطاب القدري، فإن الله يقضي بمعنى: يوجب، أو يحرم، فهذا هو قضاؤه التشريعي، أما قضاؤه القدري فمعناه: تنفيذ ما علم وأراد أن يقع في الأزل، فما أراده الله يقضيه، أي: ينفذه ويوقعه على وفق إرادته وعلمه.

أما الحكم فكذلك يتعلق بالدنيا والآخرة: ففي الدنيا يطلق على الخطاب التشريعي، كقول الله تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} الشورى: ١٠.

وفي الآخرة يطلق على فصل الخصام يوم القيامة عندما يتجلى الباري سبحانه وتعالى لفصل الخصام، فيختصم الناس إليه، وحينئذٍ يقام الخصام بين كل فريقين اختلفا، فكل خلاف في الدنيا يُفصل في ذلك الوقت، ولذلك سمي ذلك اليوم يوم الفصل" (٢).

١٣ - نسبة الجهة لله - عز وجل -:

بين الشيخ - رحمه الله - هذه النسبة بقوله: "لم يرد في النصوص نسبة الجهة إلى الله نفياً ولا إثباتاً، ثم هي كلمة مجملة تحتمل حقاً وباطلاً؛ فإن إثباتها لله يحتمل أن يراد به أنه تعالى فوق عباده مستو على عرشه، وهذا حق، ويحتمل أن يراد به أنه يحيط به شيء من خلقه، وهذا باطل، ونفيها عن الله يحتمل نفي علوه على خلقه واستوائه على عرشه، وهذا باطل، ويحتمل تنزيهه عن أن يحيط به شيء من خلقه، وهذا حق، وإذن لا يصح نسبة الجهة إلى الله نفياً ولا إثباتاً لعدم ورودها ولاحتمالها الحق والباطل" (٣).


(١) فمثلاً: قول الله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} الإسراء: ٢٣، إن كان الخطاب لأمة الدعوة فقضى هنا بمعنى: أمر، وإن كان الخطاب لأمة الإجابة فقضى بمعنى: أوجب، فالقضاء المطلق هو بمعنى الأمر فقط الذي لا يشمل جزماً، وإن كان لأمة الإجابة الذين آمنوا وصدقوا محمداً صلى الله عليه وسلم فهو على سبيل الإيجاب والجزم.
(٢) سلسلة الأسماء والصفات للشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي عبارة عن دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية http://www.islamweb.net.
ينظر: توضيح الكافية الشافية (ص ١٢٧) والحق الواضح المبين (ص ٨٠).
(٣) الإحكام في أصول الأحكام (١ج١/ ٣٧٠) و (٢ج٤/ ١٢٩).

<<  <   >  >>