للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهكذا يظهر لنا مما تقدم أن الجن يتشكلون في الصور المختلفة، وعندئذ يمكن رؤيتهم، وهذا هو الذي عليه جمهور الفقهاء من المسلمين، لما ورد من الآثار الكثيرة في تشكلهم ورؤيتهم، وقد مر قسم منها.

والجن إذا حصل منهم التشكل في أجسام إنسية أو حيوانية فإنهم يصبحون أسرى هذا التشكل، ويحصل لهم من التأثر بالعوارض مثلما يحصل للجنس الذي تشكلوا به، كما في هذه القصة.

٤ - الجن حسب الإيمان والكفر والصلاح والفساد (١):

قال تعالى: إخباراً عنهم {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا (١١)} الجن: ١١.يقول القرطبي (٢): " هذا من قول الجن، أي قال بعضهم لبعض لما دعوا إلى الإيمان بمحمد - صلى الله عليه وسلم -: وأنا كنا قبل استماع القرآن منا الصالحون ومنا الكافرون، وقيل: " ومنا دون ذلك" أي ومن دون الصالحين في الصلاح" (٣).

يقول ابن القيم - رحمه الله - تعليقاً على قوله تعالى: {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (١٤) وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (١٥)} الجن: ١٤ - ١٥: "وقد تضمنت هذه الآيات انقسامهم إلى ثلاث طبقات: صالحين، ودون الصالحين، وكفار. وهذه الطبقات بإزاء طبقات بني آدم، فإنها ثلاثة: أبرار، مقتصدون، وكفار، فالصالحون بإزاء الأبرار ومن دونهم بإزاء المقتصدون، والقاسطون بإزاء الكفار، وهذا كما قسم سبحانه بني إسرائيل إلى هذه الأقسام الثلاثة في قوله: {وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ} الأعراف: ١٦٨، فهؤلاء الناجون منهم، ثم ذكر


(١) ينظر: فتاوى اللجنة (١/ ٢٧٩ - ٢٨٢).
(٢) هو: أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرج الأنصاري القرطبي المالكي، أحد مشاهير المفسرين وكتابه "الجامع لأحكام القرآن" من أوسع كتب التفسير يميل فيه إلى تتبع الأحكام الفقهية، توفي سنة (٦٧١ هـ).
ينظر: كشف الظنون لحاجي خليفة (١/ ٥٣٤)، والمفسرون بين التأويل والإثبات في آيات الصفات لمحمد بن عبد الرحمن المغراوي (١/ ٢٨٧)، طبقات المفسرين للداودي (ص ٢٤٦).
(٣) تفسير القرطبي (١٩/ ١٥).

<<  <   >  >>