للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقول تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (٧٠)} الإسراء: ٧٠، وبيان الآية أن الله سبحانه عدّد على بني آدم ما خصّهم به من المزايا من بين سائر الحيوان، ومن أفضل ما أكرم به الآدمي العقل الذي به يعرف الله تعالى ويفهم كلامه ويوصل إلى نعمه (١).

ومن هنا ندرك أهمية العقل، وأنّه الميزة التي فضّل الله بها الإنسان عن غيره، غير أنه تعالى جعل له حدوداً في إدراكه للأشياء ينتهي إليها، فلو كان العقل يدرك كلّ مطلوب لاستغنى الخلق به عن الشّرع، وانتفت الحكمة من إرسال الأنبياء والرسل، حيث يقول تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (١٥)} الإسراء: ١٥، لكن العقل شرط في التكليف، وآلة للتمييز بين الحسن والقبيح، والسنة والبدعة، والرياء والإخلاص، ولولاه لم يكن تكليف ولا توجّه أمر ولا نهي، وهو دائماً محتاج إلى هداية الوحي وتنبيه الرسل لتقويمه وتأييده (٢).

واعتبر الإسلام العقل ولم يلغه، فمن مظاهر اعتباره للعقل وعدم إلغائه له أنه حثه علي التفكير فيما يدركه ويشاهده، ومنعه من التفكير والتخبط فيما لا يدركه ولا يقع تحت حسه من المغيبات التي لا يمكن أن يصل في تفكيره فيها إلى نتيجة فالسلف رحمهم الله لم يلغوا العقل كما يزعم خصومهم من أهل الكلام، أو من لا خبرة له بمذهب السلف من غيرهم، كما أنهم لم يحكموه في جميع أمورهم كما فعل أهل الضلال، وإنما وزنوا الأمر بموازين الشرع (٣).

٦ - الفطرة أو الحس:

الفطرة مطمئنة إلى ما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية من أصول الدين، وأنه لو تُرك الناس وفطرهم السليمة لما حصل خلاف في أصول الدين، فالفطرة شاهدة بصحة


(١) ينظر: تفسير السعدي (١/ ٤٦٣)، الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي (٥/ ١٨٨)، فتح القدير للشوكاني (٣/ ٢٤٤)، تفسير السمرقندي لنصر بن محمد بن أحمد السمرقندي (٢/ ٣٢١)، النكت والعيون تفسير لأبي الحسن علي بن محمد الماوردي (٣/ ٢٥٧)، تفسير البغوي (٣/ ١٢٥).
(٢) منهج الإمام ابن أبي العز الحنفي لعبد الله الحافي (ص ٤٦).
(٣) ينظر: لمكانة العقل في الإسلام في كتاب موقف المتكلمين للدكتور سليمان الغصن (١/ ٢٦٢ - ٢٧٣)، المدرسة السلفية لمحمد بن عبد الستار نصار (ص ٤٧٨).

<<  <   >  >>