واختلف السلف في الاستثناء من خلود المؤمنين في الجنة بقوله:{إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} هود: ١٠٨، فقيل: إنه استثناء للمدة التي يمكثها عصاة المؤمنين في النار قبل دخولهم الجنة من مدة خلودهم في الجنة، فالمعنى يخلد المؤمنون في الجنة ما دامت السموات والأرض إلا مدة شاء ربك أن يقضيها عصاة المؤمنين في النار وقيل دخولهم الجنة.
وقيل: إنه استثناء الرب ولا يفعله، كقولك: والله لا أكرمن إلا أن أرى غير ذلك، وأنت لا ترى إلا إكرامه.
وقريب منه قيل: من أن الاستثناء لإعلامهم بأنهم مع خلودهم في مشيئة الله، لا أنهم باستقرارهم في الجنة وتمكنهم منها خرجوا من مشيئة الله، ولا ينافي ذلك إرادته إرادة كونية أن يخلدوا فيها، ونظيره قوله تعالى: {وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا (٨٦)} الإسراء: ٨٦، وهو سبحانه بقاء ما أوحى به إلى رسوله، وقوله: قال تعالى: {فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ} الشورى: ٢٤، وهو سبحانه لا يشاء الختم على قلب رسوله، بل أراد له استمرار الهداية والإمداد بالنور وصفاء البصيرة، وقوله تعالى:{قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ} يونس: ١٦، وقد شاء سبحانه إعلامهم به،