للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٥_ الإرادتان تجتمعان في حق المطيع، فالذي أدى الصلاة -مثلاً - جمع بينهما؛ وذلك لأن الصلاة محبوبة لله، وقد أمر بها، ورضيها، وأحبها، فهي شرعية من هذا الوجه، وكونها وقعت دلَّ على أنَّ الله أرادها كوناً؛ فهي كونية من هذا الوجه؛ فمن هنا اجتمعت الإرادتان في حق المطيع.

وتنفرد الكونية في مثل كفر الكافر، ومعصية العاصي، فكونها وقعت فهذا يدلُّ على أن الله شاءها؛ لأنه لا يقع شيء إلا بمشيئته، وكونها غير محبوبة ولا مرضية لله دليل على أنها كونية لا شرعية.

وتنفرد الشرعية في مثل إيمان الكافر، وطاعة العاصي، فكونها محبوبة لله فهي شرعية، وكونها لم تقع - مع أمْر الله بها ومحبته لها - هذا دليل على أنها شرعية فحسب؛ إذ هي مرادة محبوبة لم تقع.

٦_ الإرادة الكونية أعمّ من جهة تعلّقها بما لا يحبه الله ولا يرضاه، من الكفر والمعاصي، وأخص من جهة أنها لا تتعلق بمثل إيمان الكافر، وطاعة الفاسق.

والإرادة الشرعية أعم من جهة تعلقها بكل مأمور به، واقعاً كان أو غير واقع، وأخص من جهة أن الواقع بالإرادة الكونية قد يكون غير مأمور به.

هذه فوارق بين الإرادتين، فمن عرف الفرق بينهما سلم من شُبهات كثيرة، زلَّت بها أقدام، وضلَّت بها أفهام، فمن نظر إلى الأعمال الصادرة عن العباد بهاتين العينين كان بصيراً، ومن نظر إلى الشرع دون القدر أو العكس كان أعور (١).

٤ - صفة الوجه لله - عز وجل -:

يقرر الشيخ عبد الرزاق: صفة الوجه لله - عز وجل - حقيقة على ما يليق بجلاله، لقوله تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (٢٧)} الرحمن: ٢٧، فقال - رحمه الله -: " وجاء إسناد البقاء إلى الوجه في الآية على معهود العرب في كلامهم وتعبيرهم بمثل ذلك عن بقاء الشيء وصفاته جميعاً" (٢).


(١) ينظر: الاستقامة لابن تيمية (٢/ ٧٨).
(٢) ينظر: الإحكام في أصول الأحكام (١/ ٢٢٣).

<<  <   >  >>