للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال: {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ}، ولم يقل: وأطيعوا أولي الأمر منكم؟ لأن أولي الأمر لا يفردون بالطاعة، بل يطاعون فيما هو طاعة لله ورسوله، وأعاد الفعل مع الرسول؛ لأنه من يطع الرسول فقد أطاع الله، فإن الرسول لا يأمر بغير طاعة الله، بل هو معصوم في ذلك، وأما ولي الأمر، فقد يأمر بغير طاعة الله، فلا يطاع إلا فيما هو طاعة لله ورسوله.

وأما لزوم طاعتهم وإن جاروا، فلأنه يترتب على الخروج عن طاعتهم من المفاسد أضعاف ما يحصل من جورهم، بل في الصبر على جورهم تكفير السيئات ومضاعفة الأجور، فإن الله تعالى ما سلطهم علينا إلا لفساد أعمالنا، والجزاء من جنس العمل، فعلينا الاجتهاد في الاستغفار والتوبة وإصلاح العمل" (١).

ويقول ابن تيمية متحدثاً عن مذهب أهل السنة والجماعة: " إنهم لا يوجبون طاعة الإمام في كل ما يأمر به، بل لا يوجبون طاعته إلا فيما تسوغ طاعته فيه في الشريعة، فلا يجوزون طاعته في معصية الله وإن كان إماماً عادلاً، فإذا أمرهم بطاعة الله فأطاعوه، مثل أن يأمرهم بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والصدق والعدل والحج والجهاد في سبيل الله، فهم في الحقيقة إنما أطاعوا الله ... فأهل السنة لا يطيعون ولاة الأمور مطلقاً، إنما يطيعونهم في ضمن طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - " (٢).

[٢ - عدم الخروج عليهم]

دلّت النصوص الشرعية على تحريم الخروج على ولاة الأمور وأئمة المسلمين، منها:

قوله - صلى الله عليه وسلم -: (من خرج من الطاعة، وفارق الجماعة، فمات، فميتته جاهلية، ومن خرج على أمتي يضرب برّها وفاجرها، ولا يفي بذي عهدها، فليس مني) (٣).

وقال - صلى الله عليه وسلم -: (خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، ويصلون عليكم وتصلون عليهم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم، قيل: يا رسول الله:


(١) شرح الطحاوية (٢/ ٥٤٢ - ٥٤٣)، وينظر: مجموع الفتاوى (٣٥/ ٥ - ١٧)، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة (١/ ١٨٠ - ١٨١).
(٢) منهاج السنة (٣/ ٣٨٧).
(٣) أخرجه مسلم، كتاب الإمارة، باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن (٣/ ١٤٧٦) برقم (١٨٤٨) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - به.

<<  <   >  >>