للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما العقل: فمن المعلوم بالعقل أن المعاني والأوصاف تتقيد وتتميز بحسب ما تضاف إليه، فكما أن الأشياء مختلفة في ذواتها فإنها كذلك مختلفة في صفاتها وفي المعاني المضافة إليها، فإن صفة كل موصوف تناسبه لا يفهم منها ما يقصر عن موصوفها أو يتجاوزه، ولهذا نصف الإنسان باللين، والحديد المنصهر باللين، ونعلم أن اللين متفاوت المعنى بحسب ما أضيف إليه.

وأما الحس: فإننا نشاهد للفيل جسماً وقدماً وقوة، وللبعوضة جسماً وقدماً وقوة، ونعلم الفرق بين جسميهما، وقدميهما، وقوتيهما.

فإذا علم أن الاشتراك في الاسم والصفة في المخلوقات لا يستلزم التماثل في الحقيقة مع كون كل منها مخلوقاً ممكناً، فانتفاء التلازم في ذلك بين الخالق والمخلوق أولى وأجلى، بل التماثل في ذلك بين الخالق والمخلوق ممتنع غاية الامتناع؛ والاشتراك في أصل المعنى لا يستلزم المماثلة في الحقيقة (١).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية (٢) - رحمه الله -: لا يصح الاعتماد في ضابط النفي على مجرد نفي التشبيه وذلك لوجهين:

الأول: أنه إن أريد بالنفي نفي التشابه المطلق - أي نفي التساوي من كل وجه بين الخالق والمخلوق - فإن هذا لغو من القول إذ لم يقل أحد بتساوي الخالق والمخلوق من كل وجه، فإنه مما يعلم بضرورة العقل وبداهة الحس انتفاؤه، لأنه يستلزم التعطيل المحض.

فإذا نفي عن الله تعالى صفة الوجود "مثلاً" بحجة أن للمخلوق صفة وجود فإثباتها للخالق يستلزم التشبيه على هذا التقدير، لزم على نفيه أن يكون الخالق معدوماً، ثم يلزمه على هذا اللازم الفاسد أن يقع في تشبيه آخر وهو تشبيه الخالق بالمعدوم لاشتراكهما في صفة العدم فيلزمه على "قاعدته" تشبيه بالمعدوم، فإن نفى عنه الوجود والعدم وقع في تشبيه


(١) ينظر: الصدفية لابن تيمية (١/ ١٠١)، التدمرية لابن تيمية (ص ١١٦) وما بعدها، تقريب التدمرية لمحمد بن صالح العثيمين (١/ ١٣ - ١٥).
(٢) ينظر: التدمرية لابن تيمية (ص ١٢٤ - ١٢٥)، تقريب التدمرية لمحمد بن صالح العثيمين (١/ ٧٠ - ٧٢).

<<  <   >  >>