للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال أبو محمد ابن قتيبة (١):

"والذي عندي -والله تعالى أعلم- أن الصورة ليست بأعجب من اليدين والأصابع والعينين، وإنما وقع الإلف (٢) لتلك لمجيئها في القرآن، ووقعت الوحشية من هذه لأنها لم تأت في القرآن، ونحن نؤمن بالجميع، ولا نقول في شيء منه بكيفية ولا حد" (٣).

وقال أبو يعلى الفراء (٤) في التعليق على حديث: (رأيت ربي في أحسن صورة) (٥)؛ قال: " اعلم أن الكلام في هذا الخبر يتعلق به فصول: أحدها جواز إطلاق الصورة عليه" (٦).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "والوجه الخامس: أن الأحاديث مع آيات القرآن أخبرت بأنه يأتي عباده يوم القيامة على الوجه الذي وصف، وعند هؤلاء هو كل آتٍ، وما في الدنيا والآخرة، وأما أهل الإلحاد والحلول الخاص، كالذين يقولون بالاتحاد أو الحلول في المسيح أو علي أو بعض المشايخ أو بعض الملوك أو غير ذلك مما قد بسطنا القول عليهم في غير هذا الموضع؛ فقد يتأولون أيضاً هذا الحديث كما تأوله أهل الاتحاد والحلول المطلق؛ لكونه قال: فيأتيهم الله في صورة، لكن يقال لهم: لفظ (الصورة) في الحديث -يعني رحمه الله:


(١) في تعليقه على قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " إن الله خلق آدم على صورته".

وهو: عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، أبو محمد، خطيب أهل السنة وأحد أئمة السلف، من مؤلفاته: تفسير غريب القرآن، تأويل مختلف الحديث، الاختلاف في اللفظ والرد على الجهمية وغيرها، توفي سنة (٢٧٦ هـ).
ينظر: سير أعلام النبلاء (١٣/ ٢٩٦)، شذرات الذهب (٢/ ١٦٩).
(٢) "إِلْفًا" من باب عَلِمَ أنست به وأحببته والاسم "الأُلْفَة" بالضم و"الأَلْفَةُ" أيضا اسم من "الائْتِلافِ" وهو الالتئام والاجتماع.
ينظر: المصباح المنير- العصرية - (١/ ١٥)، المحيط في اللغة (١٠/ ٣٤٥)، معجم مقاييس اللغة لابن فارس (١/ ١٣١)، مقاييس اللغة (١/ ١٣٥).
(٣) تأويل مختلف الحديث (ص ٢٦١).
(٤) هو: محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن أحمد، المعروف بأبي يعلى الفراء البغدادي، شيخ الحنابلة وفقيههم، صاحب التصانيف الفريدة، كان إماماً لا يدرك قراره، ولا يشق غباره، درَّس وأفتى، توفي - رحمه الله - سنو (٤٥٨ هـ)، ومن مؤلفاته: إبطال التأويل، وكتاب مسائل الإيمان.
ينظر: تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (٢/ ٢٥٢)، شذرات الذهب (٣/ ٣٠٦).
(٥) أخرجه الترمذي في كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة ص برقم (٣٢٣٣)، وابن خزيمة في كتاب التوحيد برقم (٣١٨) (١/ ٣١٨)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة الكاملة برقم (٣١٦٩).
(٦) ينظر: إبطال التأويلات (١/ ١٢٦).

<<  <   >  >>