للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} النساء: ١٠٥، وبين سبحانه اختصاصه وتفرده بالحكم، فقال: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (٥٧)} الأنعام: ٥٧ (١)، وجاءت الآيات القرآنية مؤكدةً على أن الحكم بما أنزل الله من صفات المؤمنين، وأن التحاكم إلى غير ما أنزل الله -وهو حكم الطاغوت والجاهلية- من صفات المنافقين، قال سبحانه: {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (٤٧) وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (٤٨) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (٤٩) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٥٠) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥١)} النور: ٤٧ - ٥١ والنساء: ٦٠ - ٦٢ (٢).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: " وإذا خرج ولاة الأمر عن هذا -حكم الكتاب والسنة- فقد حكموا بغير ما أنزل الله، ووقع بأسهم بينهم، قال - صلى الله عليه وسلم -: (ما حكم قوم بغير ما أنزل الله إلا وقع بأسهم بينهم) (٣) وهذا من أعظم أسباب تغيير الدول، كما قد جرى مثل هذا مرة بعد مرة في زماننا وغير زماننا، ومن أراد الله سعادته جعله يعتبر بما أصاب غيره، فيسلك مسلك من أيده الله بنصره، ويحتسب مسلك من خذله الله وأهانه" (٤).

قال ابن القيم - رحمه الله -: " إن قوله: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ} النساء: ٥٩، نكرة في سياق الشرط تعمّ كل ما تنازع فيه المؤمنون من مسائل الدين دقه وجله، وجليه وخفيه، ولو لم يكن في كتاب الله ورسوله بيان حكم ما تنازعوا فيه، ولم يكن كافياً لم يأمر بالرد إليه، إذ من الممتنع أن يأمر تعالى بالردّ عند التنازع إلى من لا يوجد عنده فصل النزاع ومنها أنه جعل هذا الرد من موجبات الإيمان ولوازمه، فإذا انتفى هذا الرد انتفى الإيمان، ضرورة


(١) ينظر: قوله تعالى في سورة يوسف آية (٤٠)، والقصص آية (٧٠)، الشورى آية (٤٢).
(٢) ينظر: نواقض الإيمان القولية والعملية (ص ٢٩٤).
(٣) أخرجه ابن ماجه في كتاب الفتن، باب العقوبات، برقم (٤٠١٩) بلفظ: (وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم)، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه برقم (٤٠٠٩)، وفي السلسة الصحيحة برقم (١٠٦).
(٤) مجموع الفتاوى (٣٥/ ٣٨٧).

<<  <   >  >>