للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أكذب ألسناً ولا أجبن عند اللقاء _ يعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه القراء _. فقال له عوف بن مالك: كذبت، ولكنك منافق، لأخبرن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فذهب عوف إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليخبره، فوجد القرآن قد سبقه، فجاء ذلك الرجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد ارتحل وركب ناقته، فقال: يا رسول الله! إنما كنا نخوض ونتحدث حديث الركب نقطع به عنا الطريق). قال ابن عمر: " كأني أنظر إليه متعلقاً بنسعة (١)

ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأن الحجارة تنكب رجليه، وهو يقول: إنما كنا نخوض ونلعب. فيقول له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (٦٥) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} التوبة: ٦٥ - ٦٦، وما يلتفت إليه وما يزيده عليه" (٢).

ففي هذه الآيتين الكريمتين مع بيان سبب نزولهما دليل واضح على كفر من استهزأ بالله أو رسوله أو آيات الله أو سنة رسوله أو بصحابة رسول الله؛ لأن من فعل ذلك، فهو مستخف بالربوبية والرسالة، وذلك مناف للتوحيد والعقيدة، ولو لم يقصد حقيقة الاستهزاء.

قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب (٣) - رحمه الله -: "القول الصريح في الاستهزاء هذا وما شابهه، وأما الفعل الصريح؛ فمثل مد الشفة وإخراج اللسان ورمز العين وما يفعله كثير من الناس عند الأمر بالصلاة والزكاة؛ فكيف بالتوحيد؟! " (٤).


(١) النِّسْعُ بالكسر: سَيْرٌ مَضْفور يُجعل زماما للبعير وغيره، وقد تُنْسَجُ عَريضة تُجْعل على صَدر البعير، والقطعة منه نِسْعَةٌ وسمي نسْعاً لطوله.

ينظر: القاموس المحيط (١/ ٩٩٠)، المحيط في اللغة للطلقاني (١/ ٣٦٧)، النهاية في غريب الأثر (٥/ ١١٥)، كتاب العين (١/ ٣٣٨).
(٢) أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره، برقم (١٦٩١١ - ١٦٩١٦)، وابن أبي حاتم (٤/ ٦٤) عن ابن عمر. وقال الشيخ مقبل في الصحيح المسند (ص ٧١): "إسناد ابن أبي حاتم حسن".
(٣) هو: محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي النجدي مجدد ما اندرس من العقيدة في الجزيرة العربية، توفي - رحمه الله - في الدرعية سنة (١٢٠٦ هـ)، وله مؤلفات ورسائل عديدة أهمها وأشهرها كتاب التوحيد.
ينظر: الأعلام (٦/ ٢٥٧)، وعلماء نجد خلال ثمانية قرون للشيخ عبد الله البسام (١/ ١٢٥).
(٤) ينظر: الشرح الميسر لكتاب التوحيد لعبد الملك بن محمد بن عبد الرحمن القاسم (ص ٢٥٨)، وحاشية كتاب التوحيد لابن قاسم (٤٩/ ٥).

<<  <   >  >>