للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الطعام والشراب واللباس والنكاح، وغير ذلك، بل حياته - صلى الله عليه وسلم - حياة برزخية، وروحه في الرفيق الأعلى وكذلك أرواح الأنبياء، والأرواح متفاوتة في مستقرها في البرزخ أعظم تفاوت، فمنها أرواح في أعلى عليين في الملأ الأعلى، وهي أرواح الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم وهم متفاوتون في منازلهم كما رآهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة الإسراء، ونبينا في المنزلة العليا التي هي الوسيلة" (١).

وقال ابن القيم - رحمه الله - مبيناً الفرق بين الروح وبين ما يعهد من الأجساد المخلوقة، وموضحاً منازلها بعد موتها وعلاقتها بأبدانها التي فارقتها، والمكانة الخاصة لأرواح الأنبياء عليهم الصلاة والسلام-: " ... وقد بّينا أن عرض مقعد الميت عليه من الجنة والنار لا يدل على أن الروح في القبر، ولا على فنائه دائماً من جميع الوجوه، بل لها إشراف واتصال بالقبر وفنائه، وذلك القدر منها يعرض عليه مقعده، فإن للروح شأناً آخر تكون في الرفيق الأعلى في أعلى عليين، ولها اتصال بالبدن، بحيث إذا سلّم المسلم على الميت ردّ الله عليه روحه فيرد عليه السلام وهي في الملأ الأعلى، وإنما يغلط أكثر الناس في هذا الموضع، حيث يعتقد أن الروح من جنس ما يعهد من الأجسام، التي إذا شغلت مكانا لم يمكن أن تكون في غيره، وهذا غلط محض، بل الروح تكون فوق السموات في أعلى عليين وترد إلى القبر فترد السلام وتعلم بالمسلم وهي في مكانها، وروح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الرفيق الأعلى دائماً، ويردها الله سبحانه إلى القبر فترد السلام على من سلم عليه، وتسمع كلامه وقد رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موسى قائما يصلى في قبره، ورآه في السماء السادسة والسابعة، فإما أن تكون سريعة الحركة والانتقال كلمح البصر، وإما أن يكون المتصل منها بالقبر وفنائه بمنزلة شعاع الشمس وجرمها في السماء" (٢).

وإذا ماتت الأجساد تفنى ويأكلها الدود، حاشا أجساد الأنبياء فمقابرهم لا تنتن، بل إنهم لا يبلون، وتراب قبورهم طاهر (٣).


(١) الصواعق المرسلة الشهابية (ص ٨٢).
(٢) الروح (ص ١٤٩).
(٣) ينظر: مجموع الفتاوى (٢٧/ ١٦٠)، شرح الطحاوية (١/ ٤٥٦)،والاعتقاد للبيهقي (١/ ٣٠٥)، ومسلك القرآن الكريم في إثبات البعث لعلي بن محمد الفقيهي (ص ١٠٢).

<<  <   >  >>