للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (٣١)} الزمر: ٣٠ - ٣١، فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعدما بلغ الرسالة وأكمل الله به دينه وأقام به الحجة على خلقه، وصلى عليه أصحابه رضي الله عنهم صلاة الجنازة، ودفنوه حيث مات في حجرة عائشة ك، وقام من بعده الخلفاء الراشدون، وقد جرى في أيامهم أحداث ووقائع فعالجوا ذلك باجتهادهم ولم يرجعوا في شيء منها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فمن زعم بعد ذلك أنه رآه في اليقظة حيًا وكلمه أو سمع منه شيئًا قبل يوم البعث والنشور فزعمه باطل؛ لمخالفته النصوص والمشاهدة وسنة الله في خلقه، وليس في هذا الحديث دلالة على أنه سيرى ذاته في اليقظة في الحياة الدنيا؛ لأنه يحتمل أن المراد بأنه: فسيراني يوم القيامة، ويحتمل أن المراد: فسيرى تأويل رؤياه؛ لأن هذه الرؤيا صادقة بدليل ما جاء في الروايات الأخرى من قوله - صلى الله عليه وسلم -: (فقد رآني) (١) الحديث. وقد يراه المؤمن في منامه رؤيا صادقة على صفته التي كان - صلى الله عليه وسلم - عليها أيام حياته الدنيوية" (٢).

وما ذكره الشيخ - رحمه الله - من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يرى في اليقظة هو القول الراجح؛ أما من قال بجواز رؤيته - صلى الله عليه وسلم - يقظة بعد وفاته فيرد عليهم من وجوه:

١ - أن القول بذلك معارض بالأدلة النقلية والعقلية والحسية الدالة على وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا يرد على ذلك حياته في قبره إذ حياته فيه حياة برزخية (٣).

٢ - أن رؤيته - صلى الله عليه وسلم - يقظة بعد وفاته لو كانت، ممكنة، لكان أولى الناس بها أصحابه - صلى الله عليه وسلم -، ولا سيما مع قيام المقتضي لهذه الرؤية، فإنه قد جرى بين الصحابة من النزاع في كثير من المسائل ما يستدعي ظهوره لهم وفصله بينهم (٤).


(١) أخرجه البخاري في كتاب التعبير باب من رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام، برقم (٦٩٩٣).
(٢) فتاوى اللجنة (١/ ٤٨٥ - ٤٨٦).
(٣) ينظر: حياة الأنبياء بعد وفاتهم للبيهقي (٣٢ - ٤٩)، توضيح المقاصد لابن عيسى (٢/ ١٦٠ - ١٧١)، الصواعق المرسلة الشهابية لابن سحمان (٩٨ - ١٠١)، شرح الكافية الشافية للهراس (١/ ٤٠٢).
(٤) ينظر: مجموع الفتاوى (٧/ ٣٩٢ - ٣٩٣).

<<  <   >  >>