للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإن أريد به أن الرسول ليس بشراً أصلاً أو أنه بشر لكنه لا يماثل البشر في جنس صفاتهم بوجه ما من الوجوه، بل يختلف عنهم اختلافاً كلياً في كل صفة من صفاتهم؛ فهذا باطل يكذبه الواقع، وكفر صريح لمناقضته لما صرح به القرآن من إثبات بشريتهم ومماثلتهم للبشر فيما عدا ما اختصهم الله به من الوحي والنبوة والرسالة والمعجزات.

وإن أريد أنه ليس مثل البشر من جهة أنه يعلم الغيب أو كامل القدرة فيجيء الكلام عليه في الجواب عن الأمر الثاني والثالث (١).

وإن أريد غير ذلك فعلى من يتكلم بمثل هذه الكلمات أن يعرب عن مراده ويبين قصده ليبحث معه فيه.

وعلى كل حال لا يصح إطلاق هذه الكلمة نفياً ولا إثباتاً إلا مع التفصيل والبيان؛ لما فيها من اللبس والإجمال، ولذا لم يطلقها القرآن إثباتًا إلا مع بيان ما خص به رسله، كما في الآيات المتقدمة وكما في قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (٦) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (٧)} فصلت: ٦ - ٧.

وكما يخشى من التعبير بمماثلتهم للبشر بإطلاق: انتقاص الرسل، والتذرع إلى إنكار رسالتهم؛ يخشى من نفي المماثلة بإطلاق: الغلو في الرسل، وتجاوز الحد بهم إلى ما ليس من شأنهم، بل من شؤون الله سبحانه. فالذي ينبغي للمسلم التفصيل والبيان؛ ليتميز الحق من الباطل والهدى من الضلال" (٢).

وقد سبق الحديث عن بشرية الرسول - صلى الله عليه وسلم - في العنصر السابق.


(١) ينظر: فتاوى اللجنة (١/ ٤٥٠ - ٤٥٥).
(٢) فتاوى اللجنة (١/ ٤٥٠ - ٤٥٨).

<<  <   >  >>