٤ - ومن ذلك إبرازه لوسطية أهل السنة والجماعة في باب الصحابة -رضي الله عنهم- وفي آل بيته - صلى الله عليه وسلم - بين الروافض والنواصب.
فالروافض قد طعنوا في عدالة كثير من الصحابة -رضي الله عنهم- وخاصة الشيخين أبي بكر وعمر، وكذلك في عثمان، ولم يترضوا إلا على علي ونفر قليل من الصحابة، فضلّلوا خير أمة أخرجت للناس.
والنواصب هم الذين يبغضون علياً -رضي الله عنه- وأهل بيته ويسبُّونهم.
فأهل السنة يوالون الصحابة جميعاً ويفضلونهم على من بعدهم مستدلين على ذلك بالكتاب والسنة وإجماع الأمة على ذلك، ويقولون أفضل هذه الأمة بعد نبيها الخلفاء الراشدون، وترتيبهم في الفضل كترتيبهم في الخلافة، ثم بقية العشرة، ثم أهل بدر، ثم أهل بيعة الرضوان، ثم من آمن قبل الفتح، والمهاجرون أفضل من الأنصار، وليس التفضيل قدحاً في المفضول، ولكنه العدل والإنصاف الذي دلّ عليه كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وبالعدل قامت السموات والأرض، فأهل السنة يتولون جميع الصحابة ولا يتبرؤون من أحد منهم (١).
٥ - ومن معالم الوسطية كذلك لدى أهل السنة والجماعة موقفهم من المبتدعة والمخالفين، فلا يكفرون كل من قال قولاً مبتدعاً، فإن الرجل يكون مؤمناً ظاهراً وباطناً، لكن تأوَّل تأويلاً أخطأ فيه، إما مجتهداً، وإما مفرطاً مذنباً، فلا يقال: إن إيمانه حبط بمجرد ذلك إلا أن يدل دليل شرعي؛ لكن يُبين أن هذه الأقوال المبتدعة المنحرفة، المتضمنة نفي ما أثبته الله ورسوله، أو إثبات ما نفاه الله ورسوله، أنها كفر - إن كانت مكفرة- ويثبت لها الوعيد الذي دلت عليه النصوص، ويقال أن من قالها فهو كافر، ونحو ذلك على سبيل العموم، أما الشخص المُعين فلا يشهدون على معيَّن أن الله لا يغفر له، ولا يرحمه؛ لأن الشخص المعيَّن يمكن أن يكون ممن لم يبلغه النص، ويمكن أن يكون له إيمان عظيم وحسنات أو جبت له رحمة الله.
(١) ينظر: المسألة التاسعة: موقف أهل البدع وأهل السنة من الصحابة، من المطلب الأول في المبحث الأول من الفصل الثالث في الباب الأول.