للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم دعا ثم دعا ثم قال: (يا عائشة، أشعرت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه، فجاءني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي، فقال الذي عند رأسي للذي عند رجلي أو الذي عند رجلي للذي عند رأسي: ما وجع الرجل، قال: مطبوب، قال: ومن طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم، قال: في أي شيء؟ قال: في مشط ومشاطة، قال: وجف طلعة ذكر، قال: أين هو؟ قال: في بئر ذي أروان) قالت: فأتاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أناس من أصحابه، ثم قال: (يا عائشة، كأن ماءها نقاعة الحناء، وكأن نخلها رؤوس الشياطين) قالت: فقلت: يا رسول الله، أفلا أحرقته؟ قال: (لا، أما أنا فقد عافاني الله فكرهت أن أثير على الناس شرًا) فأمر بها فدفنت) (١).

ومن أنكر وقوع ذلك فقد خالف الأدلة وإجماع الصحابة وسلف الأمة متشبثًا بشبه وأوهام لا أساس لها من الصحة فلا يعول عليها" (٢).

والذي وقع للرسول - صلى الله عليه وسلم - من السحر هو نوع من المرض الذي يتعلق بالصفات والعوارض البشرية والذي لا علاقة له بالوحي وبالرسالة التي كُلف بإبلاغها، لذلك يظن البعض أن ما أصاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - من السحر هو نقصٌ وعيبٌ وليس الأمر كما يظنون لأن ما وقع له هو من جنس ما كان يعتريه من الأعراض البشرية كأنواع الأمراض والآلام ونحو ذلك، فالأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم يعتريهم من ذلك ما يعتري البشر كما قال الله سبحانه وتعالى: {قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} إبراهيم: ١١، واستدل ابن القصار (٣) على أن الذي أصابه كان من جنس المرض يقول الرسول في حديث آخر: (أما أنا فقد شفاني الله) (٤).


(١) أخرجه البخاري في كتاب الطب باب السحر برقم (٥٧٦٣)، ومسلم في كتاب السلام باب السحر برقم (٢١٨٩).
(٢) فتاوى اللجنة (١/ ٥٦٩ - ٥٧٠).
(٣) هو علي بن أحمد البغدادي القاضي أبو الحسن المعروف بابن القصار تفقه بالأبهري، قاله الشيرازي وله كتاب في مسائل الخلاف لا أعرف للمالكيين كتاب في الخلاف أكبر منه وكان أصوليا نظارا ولي قضاء بغداد وقال أبو ذر هو أفقه من رأيت من المالكيين وكان ثقة قليل الحديث، توفي سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة ٣٩٨ هـ.
ينظر: الديباج المذهب لإبراهيم بن علي اليعمري المالكي (١/ ١٩٩).
(٤) أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق باب صفة إبليس وجنوده برقم (٣٢٦٨).

<<  <   >  >>