للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هود: ١٠٨، وهو دال على دوام النعيم واستمراره فكان قرينة على أن الاستثناء الذي قبله لا يراد به الإخراج، إنما يراد به إثبات كمال الاختيار واستدلوا أيضاً بقوله تعالى: {لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (٢٣)} النبأ: ٢٣، تجعل اللبث في النار مدة محدودة، فدل على انتهاء العذاب، واستدلوا أيضاً بأن النار موجب غضبه، والجنة موجب رحمته، وقد روى البخاري في صحيحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (لما قضى الله الخلق كتب كتاباً فهو عنده فوق العرش، إن رحمتي سبقت غضبي) (١)

وفي رواية (تغلب غضبي) قالوا فلو بقي الكافر في النار، ولم تفن النار لكان غضبه قد سبق رحمته، وفي هذا خلف لخبر الصادق - صلى الله عليه وسلم - عن ربه، وخلف خبر مستحيل.

قالوا وما ورد من النصوص الدالة على خلود الكفار فيها أبداً وعدم خروجهم منها فلا نزاع فيه، لكنه يعني البقاء في العذاب ما دامت النار باقية، وإنما يخرج منها في حال بقائها أهل التوحيد، وهناك فرق بين من يخرج من الحبس وهو حبس قائم، وبين من ينهدم حبسه وينقض بناؤه، فيبطل حبسه وينتهي سجنه بانتقاض البناء، وقد يناقش هذا بأنه وإن صلح جواباً عن أدلة الخلود فلا يصلح جواباً عن النصوص الصريحة في أن عذابها مقيم، وأنه كان غراماً، وأن النار كلما هبت وأدها الله سعيراً، وأنهم لا يفتر عنهم العذاب ولا يخفف بل يزيدهم الله عذاباً، وأنهم لكما نضجت جلودهم بدلهم الله جلود غيرها ليذوقوا العذاب، اللهم إلا أن قال: إن الاستثناء بالمشيئة في الآيتين السابقتين مسلط على جميع النصوص التي دلت على دوام العذاب واستمراره، وعلى كل حال فالموضوع من شئون الله فليترك إلى الله سبحانه والله أعلم" (٢).

أجمع أهل السنة والجماعة (٣) ومن وافقهم (٤) على القول ببقاء الجنة، ودوام نعيمها، وخلود أهلها، وخالف في ذلك الجهمية فقالوا بفنائها وأهلها.


(١) أخرجه البخاري في كتاب التوحيد باب وكان عرشه على الماء وهو رب العرش العظيم برقم (٧٤٢٢) ..
(٢) مجموعة ملفات الشيخ عبد الرزاق عفيفي (١٢ - ١٣).
(٣) ينظر: الشرح والإبانة (ص ٢٠٨)، أصول السنة لابن زمنين (ص ١٣٩ - ١٤٠)، عقيدة السلف وأصحاب الحديث (ص ٣٦٤)، مراتب الإجماع لابن حزم (ص ١٣)، الحجة في بيان المحجة (٢/ ٢٥٣)، بيان تلبيس الجهمية (١/ ٥٨١)، حادي الأرواح (ص ٣٢٣)، شرح الطحاوية (٢/ ٦٢٠).
(٤) ينظر: الفصل (٤/ ٨٣)، أصول الدين للبغدادي (ص ٢٣٨)، أصول الدين للبزدوي (ص ١٦٥ - ١٦٦)، المسايرة (ص ٢٤٧ - ٢٤٩).

<<  <   >  >>