للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في قوله تعالى: {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (٦)} سبأ: ٦، قال: هم أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - (١).

وقال ابن عباس في قوله تعالى: {يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ} البقرة: ١٢١، قال: يتبعونه حق اتباعه، يحلُون حلاله ويحرمون حرامه ولا يحرفونه عن مواضعه. وقال قتادة (٢):

" هؤلاء أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - آمنوا بكتاب الله فصدقوا به وأحلوا حلاله وحرموا حرامه وعملوا بما فيه: وقال مجاهد: يعملون به حق علمه (٣).

إن العلم الحقيقي والعلم النافع هو العلم الذي يعمل به صاحبه، وهذا كان حال الصحابة - رضي الله عنهم - وهكذا كان يربيهم نبيهم - صلى الله عليه وسلم -، ويصف ابن عمر رضي الله عنهما ذلك فيقول: لقد لبثنا برهة من دهر وأحدنا ليؤتى الإيمان قبل القرآن، تنزل السورة على محمد - صلى الله عليه وسلم - فنتعلم حلالها وحرامها، وأمرها وزجرها، وما ينبغي أن يوقف عنده منها، كما يتعلم أحدكم السورة، ولقد رأيت رجالاً يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان، يقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته ما يعرف حلاله ولا حرامه، ولا أمره ولا زاجره، ولا ما ينبغي أن يوقف عنده منه، وينثره نثر الدقل" (٤).

ومن تتبع أقوال الصحابة علم عمق فهمهم، وسعة علمهم - رضي الله عنهم - وأرضاهم، كيف لا وهم خير القرون (٥)، وقد أوصانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نتمسك بسنتهم في قوله - صلى الله عليه وسلم -: (... فإنه من يعش منكم يرى اختلافاً كثيراً، وإياكم ومحدثات الأمور فإنها ضلالة فمن أدرك ذلك منكم فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها


(١) ينظر: تفسير الطبري (٢٢/ ٤٤)، وهداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى لابن القيم (٤٤٦).
(٢) هو: قتادة بن دعامة بن عزيز بن سدوس أبو الخطاب السدوسي البصري الضرير الأكمه، حافظ العصر، وقدوة المفسرين والمحدثين، كان من أوعية العلم وممن يضرب به المثل في قوة الحفظ، توفي سنة ١١٨ هـ.

ينظر: تهذيب التهذيب (٨/ ٣٥١)، والشذرات (١/ ١٥٣).
(٣) ينظر: تفسير الطبري (١/ ٥١٨ - ٥٢٠)، الإيمان لابن مندة (١/ ٣٦٤).
(٤) كتاب الإيمان لابن مندة (١/ ٣٦٩)، والدقل: هو رديء التمر ويابسه.
ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير (٢/ ١٢٧).
(٥) ينظر: هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى لابن القيم (ص ٤٥٦).

<<  <   >  >>