للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعموماً فإن الذين انحرفوا عن الصراط المستقيم تشعبت بهم الطرق، فهناك أهل الوهم (١) والتخييل (٢) (الفلاسفة)، وهناك أهل التحريف والتأويل كالمعتزلة وغيرهم من علماء الكلام، وهناك أهل التجهيل (٣)

والتضليل (٤) الذين ادعوا أن النصوص الشرعية من قرآن وسنة يراد بها خلاف مدلولها الظاهر وأن المراد الخفي لا يعلمه غيرهم وإلى هذا الصنف تنتمي الباطنية، وما كل ذلك إلا أنهم أقحموا العقل فيما ليس له.

ولقد اعتبر الإسلام العقل ولم يلغه، فمن مظاهر اعتباره للعقل وعدم إلغائه له أن أطلق له العنان في التفكير فيما يدركه ويشاهده، ومنعه من التفكير والتخبط فيما لا يدركه ولا يقع تحت حسه من المغيبات التي لا يمكن أن يصل في تفكيره فيها إلى نتيجة (٥).

وقد جاء عن السلف رحمهم الله قولهم:

" العقل نوعان: عقل أعين بالتوفيق، وعقل كيد بالخذلان.

فالعقل الذي أعين بالتوفيق: يدعو صاحبه إلى موافقة أمر الأمر المفترض الطاعة، والانقياد لحكمه، والتسليم لما جاء عنه ... والعقل الذي كيد: يطلب بتعمقه الوصول إلى علم ما


(١) الوَهْمُ: مِنْ خَطَرات القلْبِ، والجمع: أوهامٌ، كما في المحكم، أو هو: (مَرْجوحُ طَرَفي المُتَرَدَّدِ فيه)، وقال الحكماء: هو قوة جسمانية للإنسان محلُّها آخر التَّجويفِ الأوسط من الدِّماغ، من شأنها إدراكُ المعاني الجُزئيَّة المتعلِّقَة بالمحسوسات، كشجاعة زيدٍ، وهذه القُوةُ هي التي تَحْكُم في الشَّاة بأن الذِّئب مهروبٌ منه، وأن الولد معطوفٌ عليه، وهذه القوَّة حاكمةٌ على القوى الجُسمانية كلها، مستخدمةٌ، وهو أضعف من الظن.
ينظر: التعريفات للجرجاني (ص ٣٢٩)، تاج العروس (٣٤/ ٦٢)، المغرب في ترتيب المعرب للمطرزي (٢/ ٣٧٤)، كتاب الكليات لأيوب الكفومي (ص ٩٤٣).
(٢) التخييل: تَصوِيرُ خَيالِ الشيء في النَّفْس، ومنه قوله تعالى: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (٦٦)} طه: ٦٦.
ينظر: لسان العرب (١١/ ٢٣١)، مختار الصحاح (ص ٨٢)، تاج العروس (٢٨/ ٤٥٠).
(٣) التجهيل: هو النسبة إلى الجهل والمجهلة بوزن المرحلة الأمر الذي يحمل على الجهل ومنه قولهم الولد مجهلة، والجهل ضد العلم.

ينظر: لسان العرب (١١/ ١٢٩)، مختار الصحاح (ص ٤٩).
(٤) التضليل: تصيير الإنسان إلى الضلال، والتّضلال كالتّضليل، ورجلٌ ضِلِّيل: كثير الضّلال ومضلَّلٌ لا يوفَّق لخير.
ينظر: المخصص لأبي حسن علي بن إسماعيل النحوي (٤/ ٥٠)، لسان العرب (١١/ ٣٤٩)، كتاب الكليات (ص ٤٤).
(٥) ينظر: لمكانة العقل في الإسلام في كتاب موقف المتكلمين للغصن (١/ ٢٦٢ - ٢٧٣).

<<  <   >  >>