للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مميزة معروفة باسم الصوفية، ويتوخّى المتصوفة تربية النفس، والسمو بها بغية الوصول إلى معرفة الله تعالى بالكشف (١)

والمشاهدة لا عن طريق اتباع الوسائل الشرعية، ولذا جنحوا في المسار حتى تداخلت طريقتهم مع الفلسفات الوثنية: الهندية والفارسية واليونانية المختلفة. ويلاحظ أن هناك فروقاً جوهرية بين مفهومي الزهد والتصوف أهمها: أن الزهد مأمور به، والتصوف جنوح عن طريق الحق الذي اختطَّه أهل السنة والجماعة؛ وقد اختُلف في مرجع تسميتها بالصوفية كما ساق الخلاف الشيخ - رحمه الله - في كلامه السابق، وهو ما رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية (٢) وابن خلدون (٣) وطائفة كبيرة من العلماء من أنها نسبة إلى الصُّوف، إذ كان شعار رهبان أهل الكتاب الذين تأثر بهم الأوائل من الصوفية، وبالتالي فقد أبطلوا كل الاستدلالات والاشتقاقات الأخرى على مقتضى قواعد اللغة العربية، مما يبطل محاولة نسبة الصوفية أنفسهم لأهل الصفة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو محاولة نسبة أنفسهم إلى علي بن أبي طالب والحسن البصري، وسفيان الثوري - رضي الله عنهم - وهي نسبة تفتقر إلى الدليل ويعوزها الحجة والبرهان؛ أما تعريف التصوف في الاصطلاح فقد اختلف فيه اختلافاً كثيراً،


(١) الكشف: في المصطلح الشرعي هو كرامة من الكرامات للمؤمن الصالح الملتزم بالكتاب والسنة غير المبتدع، هو أن يحصل للولي من العلم ما لا يحصل لغيره أو يكشف له من الأمور الغائبة عنه ما لا يكشف لغيره كما حصل لعمر بن الخطاب حين كُشف له من الأمور الغائبة عنه ما لا يكشف لغيره كما حصل لعمر بن الخطاب حين كُشف له وهو يخطب في المدينة عن إحدى السرايا المحصورة في العراق فقال لقائدها واسمه "سارية بن زنيم" الجبل يا سارية فسمعه القائد فاعتصم الجبل؛ وفي المصطلح الصوفي: تعني رفع الحجب عن قلب الصوفي وبصره بعد اتحاده مع الله، ليعلم صاحب الكشف بعد ذلك كل ما يجري في الكون، أو أن يكشف للصوفي عن معان جديدة في القرآن والسنة والآثار فيما يعرف بعلم الحقيقة التي لا يعلمها علماء الشريعة أو علماء الظاهر، ويقال عن الكشف في الاصطلاح أهل الحقيقة: هو الاطلاع على ما وراء الحجاب من المعاني الغيبية والأمور الخفية وجوداً وشهوداً، ويزعمون أنهم يتلقون الكشف عن الخضر، أو عن ملك الإلهام، أو أنهم يتلقونه عن الله تعالى رأساً وبلا واسطة. ودرجات الكشف النهائية عندهم تتحقق بشهود أحدية الذات في صور الصفات، في مقام البقاء بعد الفناء، والكشف بهذا المعنى الصوفي ما هو في الحقيقة إلا إيحاءات شيطانية ووساوس نفسية {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (١٢١)} الأنعام: ١٢١.

ينظر: مجموع فتاوى العقيدة لابن عثيمين (٤/ ٣١٠)، الموسوعة الميسرة (٢/ ١١٣٠).
(٢) ينظر: مجموع الفتاوى (١١/ ٦ - ٢٤)، تلبيس إبليس لابن الجوزي (ص ١٦١).
(٣) ينظر: مقدمة ابن خلدون (ص ٤٦٧).

<<  <   >  >>