للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدين زالت تلك الغربة عنهم مع مفارقتهم للعشائر والأوطان، وعادت على المنافقين، فكانوا هم الغرباء بين المسلمين، وإن كانوا بين أهليهم وعشائرهم، فالغربة المعنوية: حقيقتها قلة الشكل كما قال الإمام أبو سليمان الخطابي رحمه الله تعالى:

وما غربة الإنسان في شقة النوى … ولكنها والله في عدم الشكل

وإني غريب بين بست وأهلها … وإن كان فيها أسرتي وبها أهلي

وقال أيضا:

وليس اغترابي عن سجستان أنني … عدمت بها الإخوان والدار والأهلا

ولكنني ما لي بها من مُشاكل … وإن الغريب الفرد من يعدم الشكلا

وقال محمد بن إسماعيل الصنعاني رحمه الله تعالى:

وهذا اغتراب الدين فاصبر فإنني … غريب وأصحابي كثير بلا عد

وقد روى الإمام أحمد رحمه الله تعالى في كتاب "الزهد" عن أبي حازم قال: كان سهل بن سعد يقول: إني فيكم غريب، فيُقال له: لِم؟ فيقول: ذهب أصحابي والذي كنت أعرف، وبقيت فيكم غريبا.

وروى الإمام أحمد أيضا في "الزهد" بسنده عن الحسن البصري رحمه الله تعالى أنه قال: إن المؤمن في الدنيا غريب، لا يجزع من ذُلِّها، ولا ينافس أهلها في عِزِّها، الناس منه في راحة، ونفسه منه في شغل.

وفي حديث أبي أمامة الذي رواه الطبراني وغيره مرفوعا إلى النبي : «إن من إقبال هذا الدين أن تفقه القبيلة بأسرها، حتى لا يوجد فيها إلا الفاسق والفاسقان، فهما مقهوران ذليلان، إن تكلَّما قُمعا وقُهرا واضُطهدا.