وإن من إدبار هذا الدين أن تجفو القبيلة بأسرها، حتى لا يرى فيها إلا الفقيه والفقيهان، فهما مقهوران ذليلان، إن تكلَّما فأمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر قُمعا وقُهرا واضُطهدا، فهما مقهوران ذليلان لا يجدان على ذلك أعوانا ولا أنصارًا».
ففي هذا الحديث إشارة إلى الغربة المعنوية في النوعين، ففي أوّله غُربة الفُسّاق بين أهل الفقه والدين والصلاح، وذلك في أوقات عِزّة الإسلام وظهوره وكثرة أهل العلم والخير، وفي آخره غربة الفقهاء وأهل الدين والصلاح بين الفساق وأهل الجهل والجفاء وسوء الأخلاق كما هو الواقع في زماننا وقبله بقرون كثيرة، فالله المستعان.
وللكفار والمنافقين غربة معنوية يختصون بها، فإنهم غرباء عن الله تعالى ورسوله ودينه، وغربتهم هذه هي الغربة الموحشة وإن كانوا هم الأكثرين والمعروفين المشار إليهم، ولأهل الضلالات والأهواء من هذه الأمة نصيب من هذه الغربة الذميمة، كل له بقدر إعراضه عن الكتاب والسنة، ومشابهته للكفار والمنافقين، وقد تقدم في وصف الغرباء الممدوحين أنهم قوم صالحون قليل في ناس سوء كثير، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم، ففيه إشارة إلى أنهم يدعون إلى الخير، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، وهذا من أعلى مراتب الكمال، وهو أن يكون المرء صالحا في نفسه، وساعيا مع ذلك في تحصيل الصلاح لغيره.
وفي الصحيحين من حديث سهل بن سعد الساعدي ﵁ أن النبي ﷺ قال لعلي ﵁:«فوالله لأَن يهدي الله بك رجلا واحدا خيرا لك من حُمْرِ النعم».
وروى الطبراني في الكبير عن أبي رافع ﵁ أن رسول الله ﷺ بعث عليا