للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقد بسط الكلام عليه في غير هذا الموضع، وبين أن الله ذكر إسلام الوجه له وذكر إقامة الوجه له في قوله: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ﴾ [الروم: ٤٣]، وذكر توجيه الوجه له في قوله: ﴿إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾؛ لأن الوجه إنما يتوجه إلى حيث توجه القلب، والقلب هو الملك، فإذا توجه الوجه نحو جهة كان القلب متوجها إليها، ولا يمكن للوجه أن يتوجه بدون القلب، فكان إسلام الوجه وإقامته وتوجيهه مستلزما لإسلام القلب وإقامته وتوجيهه، وذلك يستلزم إسلاما كله لله، وتوجيهًا كله لله، وإقامة كلها لله، وهذا حقيقة دين الإسلام. انتهى.

وقال أيضا في موضع آخر: وقد بعث الله محمدا بتحقيق التوحيد وتجريده، ونفي الشرك بكل وجه حتى في الألفاظ كقوله : «لا يقولن أحدكم: ما شاء الله وشاء محمد، بل ما شاء الله ثم شاء محمد» وقال له رجل: ما شاء الله وشئت، فقال: «أجعلتني لله ندا؟! قل: ما شاء الله وحده»، والعبادات التي شرعها الله كلها تتضمن إخلاص الدين كله لله تحقيقا لقوله تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ [البينة: ٥]، فالصلاة لله وحده، والصدقة لله وحده، والصيام لله وحده، والحج لله وحده إلى بيت الله وحده، فالمقصود من الحج عبادة الله وحده في البقاع التي أمر الله بعبادته فيها، ولهذا كان الحج شعار الحنيفية حتى قال طائفة من السلف ﴿حُنَفَاءَ لِلَّهِ﴾: أي حجاجا، فإن اليهود والنصارى لا يحجون البيت، قال طائفة من السلف: لما أنزل الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾