فكيف بمن بعدهم إلى زماننا هذا الذي نجم فيه النفاق الأكبر فضلا عن الأصغر، وساد فيه الجهل وأهله، واشتدت غربة السُنَّة فيه، وعاد المعروف بين الأكثرين منكرا، والمنكر معروفا، والسنة بدعة، والبدعة سنة، وصار الأمر طبق ما جاء عن ابن مسعود ﵁ أنه قال:«كيف أنتم إذا لبستكم فتنة يهرم فيها الكبير، ويربو فيها الصغير، ويتخذها الناس سُنَّة، فإذا غُيِّرت قالوا: غُيِّرت السنة» قيل: متى ذلك يا أبا عبد الرحمن؟ قال:«إذا كثرت قُراؤكم، وقلت فقهاؤكم، وكثرت أموالكم، وقلت أمناؤكم، والتمست الدنيا بعمل الآخرة، وتفقه لغير الدين» رواه عبد الرزاق، والدارمي، والحاكم في مستدركه، وقال الذهبي في تلخيص المستدرك: هو على شرط البخاري ومسلم، وقد تقدم هذا الحديث في أول الكتاب، وتقدم أيضا عن حذيفة ﵁ أنه أخذ حصاة بيضاء، فوضعها في كفة ثم قال: إن هذا الدين قد استضاء استضاءة هذه الحصاة، ثم أخذ كفا من تراب فجعل يذره على الحصاة حتى واراها، ثم قال: والذي نفسي بيده ليجيئن أقوام يدفنون الدين كما دفنت هذه الحصاة. رواه الحافظ محمد بن وضاح في كتاب "البدع والحوادث".
والآثار في هذا المعنى كثيرة جدا، وقد ذكرت منها طرفا في أول الكتاب فليراجع، والله المستعان وعليه التُكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وهو حسبنا ونعم الوكيل.