وقدْ وضحَ النبيُّ ﷺ النُّصُبَ في هذهِ الأنواعِ كلِّها، وبيَّنَ مقدارَ الواجبِ منها، وأنها عُشرُ الخارجِ من الأرضِ مما يُسقى بلا مؤنةٍ، ونصفُ عُشرهِ فيما سُقِيَ بمؤنةٍ، وربعُ العُشرِ من أموالِ التجارةِ، وذلكَ إذا حالَ الحولُ في أموالِ التجارةِ، وحصلَ الحصادُ والجذاذُ وقتَ حصولِ الثمارِ، كما هوَ صريحُ الآيةِ المذكورةِ.
وأمرَ تعالى بإخراجِ الوسطِ، فلا يُظلمُ ربُّ المالِ فيؤخذُ العالي من مالهِ، إلا أنْ يختارَ هوَ ذلكَ، ولا يحلُّ لهُ أنْ يتيممَ الخبيثَ -وهوَ الرديءُ من مالهِ- فيخرجُهُ، ولا تبرأُ بذلكَ ذمتهُ إنْ كانتْ فرضًا، ولا يتمُّ لهُ الأجرُ والثوابُ إنْ كانتْ نفلًا.
وبيَّنَ تعالى الحكمةَ في ذلكَ، وأنها حكمةٌ معقولةٌ: فكما أنكم لا ترضونَ ممن عليهِ حقٌّ لكم أنْ يعطيَكم الرديءَ من مالهِ الذي هوَ دونَ حقِّكم، إلا أنْ تقبلوهُ على وجهِ الكراهةِ والإغماضِ؛ فكيفَ ترضونَ لربِّكم ولإخوانِكم ما لا ترضونَهُ لأنفسِكم؟! فليسَ هذا من الإنصافِ والعدلِ.
* وبيَّنَ تعالى الحكمةَ في الزكاةِ، وبيانِ مصالِحها العظيمةِ، فقالَ: ﴿تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾ [التوبة: ١٠٣] فهذهِ كلمةٌ جامعةٌ، يدخلُ فيها من المنافعِ للمُعطِي والمعطَى والمالِ والأمورِ العموميةِ والخصوصيةِ شيءٌ كثيرٌ:
* فقولُهُ: ﴿تُطَهِّرُهُمْ﴾ أي: من الذنوبِ، ومن الأخلاقِ الرذيلةِ؛ فإنَّ مِنْ أعظمِ الذنوبِ وأكبرِها منعَ الزكاةِ، وأيضًا إعطاؤُها سببٌ لمغفرةِ ذنوبٍ أخرَى، فإنها من أكبرِ الحسناتِ، والحسناتُ يذهبنَ السيئاتِ. ومن أشنعِ الأخلاقِ الرذيلةِ البخلُ، والزكاةُ تطهرهُ من هذا الخلقِ الرذيلِ، ويتصفُ صاحبُها بالرحمةِ والإحسانِ، والشفقةِ على الخلقِ.