للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* ﴿ثُمَّ أَفِيضُوا﴾ [البقرة: ١٩٩] أي: مِنْ مزدلفةَ، ﴿مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ﴾ من لَدُنْ إبراهيمَ إلى هذا الوقتِ، والمقصودُ من هذهِ الإفاضةِ كان معروفًا عندَهم وهوَ: رميُ الجمارِ، وذبحُ الهدايا، والطوافُ، والسعيُ، والمبيتُ بمنًى لياليَ أيامِ التشريقِ، وتكميلُ بقيةِ المناسكِ.

* ولما كانتْ هذهِ الإفاضةُ يُقصدُ بها ما ذُكِرَ -والمذكوراتُ آخر المناسكِ- أمَرَ تعالى بعدَ الفراغِ منها باستغفارهِ؛ خشيةَ الخللِ الواقعِ من العبدِ في أداءِ العبادةِ وتقصيرهِ فيها، وبالإكثارِ من ذكرهِ؛ شكرًا لهُ على نعمةِ التوفيقِ لهذهِ العبادةِ العظيمةِ وتكميلِها.

وهكذا ينبغِي للعبدِ كلَّما فرغَ من عبادةٍ، أنْ يستغفرَ اللهَ عن التقصيرِ، ويشكرَهُ على التوفيقِ، فهذا حقيقٌ بأنَّ اللهَ يجبرُ لهُ ما نقصَ منها ويتقبلُها، ويزيدهُ نعمًا أخرى، لا مَنْ جَهلَ حقَّ ربهِ فرأى نفسَهُ أنهُ قدْ كمَّلَ حقوقَ العبادةِ؛ فأعجبَ بنفسهِ، ومَنَّ بعبادتهِ على ربِّهِ، وتراءَى لهُ أنهُ قدْ جعلَتْ لهُ محلًّا ومنزلةً رفيعةً، فهذا حقيقٌ بالمقتِ، ويُخشَى عليهِ من ردِّ العملِ.

* ثم أخبرَ تعالى عن أحوالِ الخَلقِ، وأنَّ الجميعَ يسألونَهُ مطالبَهم، ويستدفعونَهُ ما يضرُّهم؛ ولكنَّ هممَهم ومقاصدَهم متباينةٌ:

* فمنهم مَنْ يقولُ: ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا﴾ [البقرة: ٢٠٠] أي: يسألُ ربَّهُ من مطالبِ دنياهُ وشهواتهِ فقطْ، ﴿وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ﴾ لا رغبةَ لهُ فيها، ولا حظَّ لهُ منها.

* ومنهم عالي الهمةِ، مَنْ يدعُو اللهَ لمصلحةِ الدارَينِ، ويفتقرُ إلى ربهِ في مهماتِ دينهِ ودنياهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>