وفي هذهِ الآيةِ دليلٌ على أنَّ اللهَ تعالى يقبلُ دعوةَ كلِّ داعٍ، مسلمًا كان أو كافرًا، برًّا أو فاجرًا، ولكنْ ليستْ إجابتُهُ دعاءَ مَنْ دعاهُ دليلًا على محبتهِ وقربهِ منهُ، إلَّا في مطالبِ الآخرةِ ومهماتِ الدينِ، فمنْ أُجيبتْ دعوتهُ في هذهِ الأمورِ الدائمِ نفعُها كان من البشرَى، وكان أكبرَ دليلٍ على برِّهِ وقربهِ من ربهِ.
والحسنةُ المطلوبةُ في الدنيا يدخلُ فيها كلُّ ما يَحسنُ وقعُهُ عندَ العبدِ، وما بهِ تكملُ حياتهُ: من رزقٍ هنيءٍ واسعٍ حلالٍ، وزوجةٍ صالحةٍ، وولدٍ تقرُّ بهِ العينُ، ومن راحةٍ، وعلمٍ نافعٍ، وعملٍ صالحٍ، وما يتبعُ ذلكَ من المطالبِ النافعةِ المحبوبةِ والمباحةِ.
وأمَّا حسنةُ الآخرةِ فهيَ السلامةُ من العقوباتِ التي يستقبلُها العبادُ من عذابِ القبرِ والموقفِ وعذابِ النارِ، وحصولُ رضا اللهِ، والفوزُ بالنعيمِ المقيمِ، والقربُ من الربِّ الرحيمِ.
فهذا الدعاءُ أجمعُ الأدعيةِ وأكملُها وأولاها بالإيثارِ؛ ولهذا كان النبيُّ ﷺ يكثرُ من الدعاءِ بهِ، ويحثُّ عليهِ.
* ولما أكملَ اللهُ تعالى أحكامَ النسكِ أمَرَ بالإكثارِ من ذكرهِ في الأيامِ المعدوداتِ، وهيَ أيامُ التشريقِ في قولِ جمهورِ المفسرينَ؛ وذلكَ لمزيتِها وشرفِها، وكونِ بقيةِ المناسكِ تفعلُ بها، ولكونِ الناسِ فيها أضيافًا للهِ؛ ولهذا حُرِّمَ صيامُها، فللذكرِ فيها مزيةٌ ليستْ
(١) بعدها (خ): وهِمَّاتهم. وهو يوافق نص المؤلف في «تيسير الكريم الرحمن» (ص: ٩٢).