للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واتفاقُهم على إقامةِ دينِهم وعلى نصرهِ؛ فهذا أقوى القوَى المعنويةِ التي هيَ الأصلُ، والقوةُ الماديةُ تبعٌ لها. والكمالُ: الجمعُ بينَ الأمرينِ كما أمرَ اللهُ بذلكَ في هذهِ الآيةِ، وفي قولهِ: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ﴾ [الأنفال: ٦٠].

* ومن أسبابِ الثباتِ والنصرِ: حسنُ النيةِ، وكمالُ الإخلاصِ في إعلاءِ كلمةِ الحقِّ؛ فلهذا حذَّرَ تعالى من مشابهةِ الذين خرجُوا من ديارِهم بطرًا ورئاءَ الناسِ، ويصدُّونَ عن سبيلِ اللهِ، فهؤلاءِ لما لم يعتمدُوا على ربِّهم، وأُعجبُوا بأنفسِهم، وخرجوا أشرِينَ بطرِينَ، وكان قتالُهم لنصرِ الباطلِ؛ باؤوا بالخيبةِ والفشلِ والخذلانِ؛ ولهذا أدَّبَ [اللهُ] (١) خيارَ الخلقِ لما حصلَ من بعضِهم الإعجابُ بالكثرةِ في غزوةِ حُنينٍ حيثُ قالَ القائلُ: لنْ نغلبَ اليومَ عن قلةٍ، فقالَ: ﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ﴾ [التوبة: ٢٥]، فلما زال هذا الأمرُ عنهم وعرفُوا ضعفَهم وعاقبةَ الإعجابِ ﴿أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا﴾ [التوبة: ٢٦] الآية.

* ومن الأسبابِ التي أرشدَ اللهُ إليها [في القتالِ والثباتِ والصبرِ: حسنُ التدبيرِ] (٢)، والنظامُ الكاملُ في جميعِ الحركاتِ العسكريةِ، قالَ تعالى: ﴿وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٢١)[آل عمران: ١٢١].

وكان يرتبُ الجيشَ، وينزلُهم منازلَهم، ويجعلُ في كلِّ جنبةٍ كُفْأَها، ويسدُّ الثغراتِ التي يُخشَى أنْ يتسربَ منها العدوُّ، ويحفظُ المكامنَ، ويبعثُ


(١) لفظ الجلالة زيادة من (خ).
(٢) كذا في (خ). وفي (ط): «في القتال: الثبات والصبر وحسن التدبير».

<<  <  ج: ص:  >  >>