وذكروهنَّ ما في ذلكَ من العقابِ، وما يترتبُ عليهِ من قطعِ حقوقِها، وإباحةِ هجرِها وضربِها.
فإنْ تقومْنَ بالوعظِ والتذكيرِ فذلكَ المطلوبُ، وحصلَ الاتفاقُ الذي لا يشوبهُ مكدِّرٌ، فإنْ لم يفدِ التذكيرُ فاهجروهنَّ في المضاجعِ، بألَّا ينامَ عندَها، ولا يباشرَها بجماعٍ ولا غيرهِ؛ لعلَّ الهجرَ ينجعُ فيها، وذلكَ بمقدارِ ما يحصلُ بهِ المقصودُ فقطْ، فإنَّ القصدَ بالهجرِ نفعُ المهجورِ وأدبُهُ، ليسَ الغرضُ منهُ شفاءَ النفسِ كما يفعلهُ مَنْ لا رأيَ لهُ إذا خالفتْهُ زوجتُهُ أو غيرُها، ولم يحصِّلْ مقصودَهُ، هَجَرَ هجرًا مستمرًا، أي: بقِيَ متأثرًا بذلكَ، عاتبًا على مَنْ لم يواتِهِ على ما يحبُّ، ووصلَتْ بهِ الحالُ إلى الحقدِ الذي هوَ من الخصالِ الذميمةِ؛ فهذا ليسَ من الهجرِ الجميلِ النافعِ، وإنما هوَ من الحقدِ الضارِّ بصاحبهِ، الذي لا يحصلُ بهِ تقويمٌ ولا مصلحةٌ.
فإنْ نفَعَ الهجرُ للزوجةِ، وإلَّا انتقَلَ إلى ضربِها ضربًا خفيفًا غيرَ مبرحٍ، فإنْ حصلَ المقصودُ، ورجعَتْ إلى الطاعةِ، وتركَتِ المعصيةَ؛ عادَ الزوجُ إلى عشرتِها الجميلةِ، ولا سبيلَ لهُ إلى غيرِ ذلكَ من أذيتِها؛ لأنها رجعَتْ إلى الحقِّ. وهذا الدواءُ لكلِّ عاصٍ ومجرمٍ: أنَّ الشارعَ رغبَهُ إذا ترَكَ إجرامَهُ عادَ حقُّهُ الخاصُّ والعامُّ، كما في حقِّ التائبِ من الظلمِ وقطعِ الطريقِ وغيرِها، فكيفَ الزوجُ معَ زوجتهِ؟!
* وفي هذهِ الآيةِ ونحوِها فائدةٌ نافعةٌ: وهيَ أنهُ ينبغي لمنْ عادَ إلى الحقِّ ألَّا يذكرَ الأمورَ السالفةَ؛ فإنَّ ذلكَ أحرَى للثباتِ على المطلوبِ، فإنَّ تذكيرَ الأمورِ الماضيةِ ربما أثارَ الشرَّ؛ فانتكسَ المرضُ، وعادتِ الحالُ إلى أشدَّ من الأولى.